الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ }

{ وَمَن يَعْشُ } أي يتعام ويعرض { عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ } وهو القرآن، وإضافته إلى الرحمن للإيذان بنزوله رحمة للعالمين، وجوز أن يكون مصدراً أضيف إلى المفعول أي من يعش عن أن يذكر الرحمن، وأن يكون مصدراً أضيف إلى الفاعل أي عن تذكير الرحمن عباده سبحانه. وقرأ يحيـى بن سلام البصري { يعش } بفتح الشين كيرض أي يعم يقال: عشي كرضي إذا حصلت الآفة في بصره وعشا كغزا إذا نظر نظر العشى لعارض قال الحطيئة:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره   تجد خير نار عندها خير موقد
أي تنظر إليها نظر العشي لما يضعف بصرك من عظم الوقود واتساع الضوء ولو لم يكن كذلك لم يكن لكلمة / الغاية موقع وأظهر منه في المقصود قول حاتم:
أعشو إذا ما جارتي برزت   حتى يواري جارتي الخدر
لأنه قيد بالوقت وأتى بالغاية وما هو خلقي لا يزول. وقال بعضهم: لم أر أحداً يجيز عشوت عنه إذا أعرضت وإنما يقال تعاشيت وتعاميت عن الشيء إذا تغافلت عنه كأنك لم تره ويقال: عشوت إلى النار إذا استدللت عليها ببصر ضعيف، وهو مما لا يلتفت إليه ومثله عشي وعشا عرج بكسر الراء لمن به الآفة وعرج بفتحها لمن مشى مشية العرجان من غير عرج على ما في «الكشاف»، وفيه خلاف لأهل اللغة ففي «القاموس» يقال: ((عرج أي بالفتح إذا أصابه شيء في رجله وليس بخلقه فإذا كان خلقة فعرج كفرح أو يثلث في غير الخلقة)).

وقرأ زيد بن علي { يعشو } بإثبات الواو وخرج ذلك الزمخشري على أن من موصولة لا شرطية جازمة. وجوز أن تكون شرطية والمدة إما للإشباع أو على لغة من يجزم المعتل الآخر بحذف الحركة على ما حكاه الأخفش. وجوز كون الفعل مجزوماً بحذف النون والواو ضمير الجمع، وقد روعي فيه معنى من، وتخريج الزمخشري مبني على الفصيح المطرد المتبادر.

{ نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَاناً } أي نتح له شيطاناً ليستولي عليه استيلاء القيض على البيض وهو القشر الأعلى. { فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } دائماً لا يفارقه ولا يزال يوسوسه ويغويه وهذا عقاب على الكفر بالختم وعدم الفلاح كما يقال: إن الله تعالى يعاقب على المعصية بمزيد اكتساب السيآت. وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه والسلمي والأعمش ويعقوب وأبو عمرو بخلاف عنه وحماد عن عاصم وعصمة عن الأعمش وعن عاصم والعليمي عن أبـي بكر { يقيض } بالياء على إسناده إلى ضمير { ٱلرَّحْمَـٰنُ } ، وقرأ ابن عباس يقيض بالياء والبناء للمفعول { شيطـٰن } بالرفع والفعل في جميع القراءات مجزوم ولم نسمع أنه قرىء بالرفع، وفي «الكشاف» حق من قرأ { من يعشو } بالواو أن يرفعه أي بناء على تخريجه ذلك على أن من موصولة، وجوز على ذلك أيضاً أن يكون { يقيض } مرفوعاً لكنه سكن تخفيفاً.

السابقالتالي
2