الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ }

وقوله تعالى: { وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً } أي سموا وقالوا إنهم اناث، قال الزجاج: الجعل في مثله بمعنى القول والحكم على الشيء تقول: جعلت زيداً أعلم الناس أي وصفته بذلك وحكمت به، واختار أبو حيان أن المعنى صيروهم في اعتقادهم إناثاً اعتراض وارد لإثبات مناقضتهم أيضاً وادعاء ما لا علم لهم به المؤيد لجعله معتمد الكلام على ما سبق آنفاً فإنهم أنثوهم في هذا المعتقد من غير استناد إلى علم فأرشد إلى أن ما هم عليه من إثبات الولد مثل ما هم عليه من تأنيث الملائكة عليهم السلام في أنهما سخف وجهل كانا كفرين أو لا، نعم هما في نفس الأمر كفران، أما الأول: فظاهر، وأما الثاني: فللاستخفاف برسله سبحانه أعني الملائكة وجعلهم أنقص العباد رأياً وأخسهم صنفاً وهم العباد المكرمون المبرأون من الذكورة والأنوثة فإنهما من عوارض الحيوان المتغذي المحتاج إلى بقاء نوعه لعدم جريان حكمة الله تعالى ببقاء شخصه وليس ذلك عطفاً على قوله سبحانه:وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا } [الزخرف: 15] لما علمت من أن الجملة في موضع الحال من فاعللَّيَقُولَنَّ } [الزخرف: 9] ولا يحسن بحسب الظاهر أن يقال: ليقولن خلقهن العزيز العليم وقد جعلوا الملائكة إناثاً.

وقرىء (عبيد) جمع عبد وكذا { عباد } وقيل: عباد جمع عابد كصائم وصيام وقائم وقيام، وقرأ عمر بن الخطاب والحسن وأبو رجاء وقتادة وأبو جعفر وشيبة والأعرج والابنان ونافع { عند الرحمن } ظرفاً وهو أدل على رفع المنزلة وقرب المكانة، والكلام على الاستعارة في المشهور لاستحالة العندية المكانية في حقه سبحانه، وقرأ أُبـيّ (عبد الرحمن) بالباء مفرد عباد، والمعنى على الجمع بإرادة الجنس. وقرأ الأعمش { عباد } بالجمع والنصب حكاها ابن خالويه وقال: هي في مصحف ابن مسعود كذلك، وخرج أبو حيان النصب على إضمار فعل أي الذين هم خلقوا عباد الرحمن. وقرأ زيد بن علي { أنثاً } بضمتين ككتب جمع إناثاً فهو جمع الجمع، وعلى جميع القراءات، الحصر إذا سلم إضافي فلا يتم الاستدلال به على أفضلية الملك على البشر.

{ أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ } أي أحضروا خلق الله تعالى إياهم فشاهدوهم إناثاً حتى يحكموا بأنوثتهم فإن ذلك مما يعلم / بالمشاهدة، وهذا كقوله تعالى:أَمْ خَلَقْنَا ٱلْمَلَـٰئِكَةَ إِنَـٰثاً وَهُمْ شَـٰهِدُونَ } [الصافات: 150] وفيه تجهيل لهم وتهكم بهم، وإنما لم يتعرض لنفي الدلائل النقلية لأنها في مثل هذا المطلب مفرعة على القول بالبنوة وهم الكفرة الذين لا يقولون بها ولنفي الدلائل العقلية لظهور انتفائها والنفي المذكور أظهر في التهكم فافهم.

وقرأ نافع { أأشهدوا } بهمزة داخلة على أشهد الرباعي المبني للمفعول، وفي رواية أنه سهل هذه الهمزة فجعلها بين الهمزة والواو وهي رواية عن أبـي عمرو، وروي ذلك عن علي كرم الله تعالى وجهه وابن عباس ومجاهد، وفي أخرى أنه سهلها وأدخل بينها وبين الأولى ألفاً كراهة اجتماع همزتين ونسبت إلى جماعة، والاكتفاء بالتسهيل أوجه، وقرأ الزهري وناس: { أشهدوا } بغير استفهام مبنياً للمفعول رباعياً فقيل المعنى على الاستفهام نحو قوله:

السابقالتالي
2