الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ وَٱلظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِّن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }

{ وَلَوْ شَاء ٱللَّهُ } جَعْلَهم أمة واحدة { لَجَعَلَهُمْ } أي في الدنيا { أُمَّةً وَاحِدَةً } مهتدين أو ضالين، وهو تفصيل لما أجمله ابن عباس في قوله: على دين واحد، فمعنى قوله تعالى: { وَلَـٰكِن يُدْخِلُ مَن يَشَاء فِى رَحْمَتِهِ } أنه تعالى يدخل في رحمته من يشاء أن يدخله فيها ويدخل من يشاء في عذابه أن يدخله فيه ولا ريب في أن مشيئته تعالى لكل من الإدخالين تابعة لاستحقاق كل من الفريقين لدخول ما أدخله ومن ضرورة اختلاف الرحمة والعذاب اختلاف حال الداخلين فيهما قطعاً فلم يشأ جعل الكل أمة واحدة بل جعلهم فريقين وإنما قيل { وَٱلظَّـٰلِمُونَ مَا لَهُمْ مّن وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ } ـ وكان الظاهر أن يقال ويدخل من يشاء في عذابه ونقمته ـ للإيذان بأن الإدخال في العذاب من جهة الداخلين بموجب سوء اختيارهم لا من جهته عز وجل كما في الإدخال في الرحمة، واختار الزمخشري ((كون المراد أمة واحدة مؤمنين وهو ما قاله مقاتل على دين الإسلام كما في قوله تعالى:وَلَوْ شَاء ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ } [الأنعام: 35] وقوله سبحانه:وَلَوْ شِئْنَا للآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا } [السجدة: 13] والمعنى ولو شاء الله تعالى مشيئة قدرة لقسرهم على الإيمان ولكنه سبحانه شاء مشيئة حكمة وكلفهم وبنى أمرهم على ما يختارون ليدخل المؤمنين في رحمته وهم المرادون بقوله تعالى: { مَن يَشَآء } وترك الظالمين بغير ولي ولا نصير)).

والكلام متعلق بقوله تعالى:وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء ٱللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ } [الشورى: 6] كالتعليل للنهي عن شدة حرصه صلى الله عليه وسلم على إيمانهم، فالظالمون مظهر أقيم مقام ضمير المتخذين ليفيد أن ظلمهم علة لما بعده أو هو للجنس ويتناولهم تناولاً أولياً، وعدل عن الظاهر إلى ما في النظم الجليل إذ الكلام في الإنذار وهو أبلغ في تخويفهم لإشعاره بأن كونهم في العذاب أمر مفروغ منه وإنما الكلام في أنه بعد تحتمه هل لهم من يخلصهم بالدفع أو الرفع فإذا نفى ذلك علم أنهم في عذاب لا خلاص منه.

وتعقب بأن فرض جعل الكل مؤمنين يأباه تصدير الاستدراك بإدخال بعضهم في رحمته تعالى إذ الكل حينئذٍ داخلون فيها فكان المناسب حينئذٍ تصديره بإخراج بعضهم من بينهم وإدخالهم في عذابه، وربما يقال: حيث إن الآية متعلقة بما سمعت كان المراد ولو شاء الله تعالى لجعل الجميع مؤمنين كما تريد وتحرص عليه ولكنه سبحانه لم يشأ ذلك بل جعل بعضهم مؤمناً كما أردت وجعل بعضهم الآخر وهم أولئك المتخذون من دونه أولياء كفاراً لا خلاص لهم من العذاب حسبما تقتضيه الحكمة وكان التصدير بما صدر به مناسباً كما لا يخفى على من له ذوق بأساليب الكلام إلا أن الظاهر على هذا أدخل من شاء دون { يُدْخِلُ مَن يَشَاء } لكن عدل عنه إليه حكاية للحال الماضية.

السابقالتالي
2