الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ }

{ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً } ذلك إشارة إلى مصدر { أَوْحَيْنَآ } ومحل الكاف ـ على ما ذهب إليه الأخفش من ورودها اسماً ـ النصب على المصدرية و { قُرْآناً } مفعول لأوحينا أي ومثل ذلك الإيحاء البديع البين المفهوم أوحينا إليك قرآناً عربياً لا لبس فيه عليك ولا على قومك، وقيل: إشارة إلى ما تقدم منٱللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ } [الشورى: 6] فالكاف مفعول لأوحينا { قُرْآناً عَرَبِيّاً } حال من المفعول به أي أوحيناه إليك وهو قرآن عربـي، وجوز نصبه على المدح أو البدلية من { كَذَلِكَ } ، وقيل: أولى من هذا أن يكون إشارة إلى معنى الآية المتقدمة من أنه تعالى هو الحفيظ عليهم وأنه عليه الصلاة والسلام نذير فحسب لأنه أتم فائدة وأشمل عائدة ولا بد عليه من التجوز في { قُرْآناً عَرَبِيّاً } إذ لا يصح أن يقال أوحينا ذلك المعنى وهو قرآن عربـي لأن القرآنية والعربية صفة اللفظ لا المعنى لكن أمره سهل لقربه من الحقيقة لما بين اللفظ والمعنى من الملابسة القوية حتى يوصف أحدهما بما يوصف به الآخر مع ما في المجاز من البلاغة.

{ لّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ } أي أهل أم القرى على التجوز في النسبة أو بتقدير المضاف والمراد بأم القرى مكة، وسميت بذلك على ما قال الراغب لما روي أنه دحيت الدنيا من تحتها فهي كالأصل لها والأم تقال لكل ما كان أصلاً لشيء، وقد يقال: هي أم لما حولها من القرى لأنها حدثت قبلها لا كل قرى الدنيا، وقد يقال لبلد: هي أم البلاد باعتبار احتياج أهالي البلاد إليها { وَمَنْ حَوْلَهَا } من العرب على ما ذهب إليه كثير وخص المذكورون بالذكر لأن السورة مكية وهم أقرب إليه عليه الصلاة والسلام وأول من أنذر أو لدفع ما يتوهم من أن أهل مكة ومن حولها لهم طمع في شفاعته صلى الله عليه وسلم وإن لم يؤمنوا لحق القرابة والمساكنة والجوار فخصهم بالإنذار لإزالة ذلك الطمع الفارغ، وقيل: { مَنْ حَوْلَهَا } جميع أهل الأرض واختاره البغوي وكذا القشيري وقال: لأن الكعبة سرة الأرض والدنيا محدقة بما هي فيه أعني مكة. وهذا عندي لا يكاد يصح مع قولهم: إن عرضها كأم وطولها عز وإن المعمور في جانب الشمال أكثر منه في جانب الجنوب.

{ وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ } أي يوم القيامة لأنه يجمع فيه الخلائق قال الله تعالى:يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ ٱلْجَمْعِ } [التغابن: 9] وقيل: تجمع فيه الأرواح والأشباح، وقيل: الأعمال والعمال. والإنذار يتعدى إلى مفعولين وقد يستعمل ثانيهما بالباء وقد حذف هٰهنا ثاني مفعولي الأول وهو { يَوْمَ ٱلْجَمْعِ } والمراد به عذابه وأول مفعولي الثاني وهو { أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا } فقد حذف من الأول ما أثبت في الثاني ومن الثاني ما أثبت في الأول وذلك من الاحتباك.

السابقالتالي
2