الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

{ وَكَذٰلِكَ } أي ومثل هذا الإيحاء البديع على أن الإشارة لما بعد { أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مّنْ أَمْرِنَا } وهو ما أوحى إليه عليه الصلاة والسلام أو القرآن الذي هو للقلوب بمنزلة الروح للأبدان حيث يحييها حياة أبدية. وقيل: أي ومثل الإيحاء المشهور لغيرك أوحينا إليك، وقيل: أي ومثل ذلك الإيحاء المفصل أوحينا إليك إذ كان عليه الصلاة والسلام اجتمعت له الطرق الثلاث سواء فسر الوحي بالإلقاء أم فسر بالكلام الشفاهي. وقد ذكر أنه عليه الصلاة والسلام قد ألقي إليه في المنام كما ألقي إلى إبراهيم عليه السلام وألقي إليه عليه الصلاة والسلام في اليقظة على نحو إلقاء الزبور إلى داود عليه السلام. ففي «الكبريت الأحمر» للشعراني نقلاً عن الباب الثاني من «الفتوحات المكية» أنه صلى الله عليه وسلم أعطي القرآن مجملاً قبل جبريل عليه السلام من غير تفصيل الآيات والسور. وعن ابن عباس تفسير الروح بالنبوة. وقال الربيع: هو جبريل عليه السلام، وعليه فأوحينا مضمن معنى أرسلنا، والمعنى أرسلناه بالوحي إليك لأنه لا يقال: أوحى الملك بل أرسله. ونقل الطبرسي عن أبـي جعفر وأبـي عبد الله رضي الله تعالى عنهما أن المراد بهذا الروح ملك أعظم من جبرائيل وميكائيل كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يصعد إلى السماء، وهذا القول في غاية الغرابة ولعله لا يصح عن هذين الإمامين. وتنوين { رُوحاً } للتعظيم أي روحاً عظيماً.

{ مَا كُنتَ تَدْرِى مَا ٱلْكِتَـٰبُ وَلاَ ٱلاْيْمَـٰنَ } الظاهر أن ما الأولى نافية والثانية استفهامية في محل رفع على الابتداء و { ٱلْكِتَـٰبِ } خبر، والجملة في موضع نصب بتدري وجملة { مَا كُنتُ } الخ حالية من ضمير { أَوْحَيْنَا } أو هي مستأنفة والمضي بالنسبة إلى زمان الوحي.

واستشكلت الآية بأن ظاهرها يستدعي عدم الاتصاف بالإيمان قبل الوحي ولا يصح ذلك لأن الأنبياء عليهم السلام جميعاً قبل البعثة مؤمنون لعصمتهم عن الكفر بإجماع من يعتد به. وأجيب بعدة أجوبة.

الأول: أن الإيمان هنا ليس المراد به التصديق المجرد بل مجموع التصديق والإقرار والأعمال فإنه كما يطلق على ذلك يطلق على هذا شرعاً، ومنه قوله تعالى:وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَـٰنَكُمْ } [البقرة: 143] والأعمال لا سبيل إلى درايتها من غير سمع فهو مركب والمركب ينتفي بانتفاء بعض أجزائه فلا يلزم من انتفاء الإيمان المركب بانتفاء الأعمال انتفاء الإيمان بالمعنى الآخر أعني التصديق وهو الذي أجمع العلماء على اتصاف الأنبياء عليهم السلام به قبل البعثة، ولذا عبر بتدري دون أن يقال: لم تكن مؤمناً وهو جواب حسن ولا يلزمه نفي الإيمان عمن لا يعمل الطاعات ليكون القول به اعتزالاً كما لا يخفى.

الثاني: أن الإيمان إنما يعني به التصديق بالله تعالى وبرسوله عليه الصلاة والسلام دون التصديق بالله عز وجل ودون ما يدخل فيه الأعمال والنبـي صلى الله عليه وسلم مخاطب بالإيمان برسالة نفسه كما أن أمته صلى الله عليه وسلم مخاطبون بذلك، ولا شك أنه قبل الوحي لم يكن عليه الصلاة والسلام يعلم أنه رسول الله وما علم ذلك إلا بالوحي فإذا كان الإيمان هو التصديق بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ولم يكن هذا المجموع ثابتاً قبل الوحي بل كان الثابت هو التصديق بالله تعالى خاصة المجمع على اتصاف الأنبياء عليهم السلام به قبل البعثة استقام نفي الإيمان قبل الوحي وإلى هذا ذهب ابن المنير.

السابقالتالي
2 3