الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ }

تحذير عن الظلم والبغي وما يؤدي إلى العذاب الأليم بوجه، وفيه حض على ما حض عليه أولاً اهتماماً به وزيادة ترغيب فيه، فالصبر هنا هو الإصلاح المؤخر فيما تقدم قدم هٰهنا، وعبر عنه بالصبر لأنه من شأن أولي العزم وإشارة إلى أن الإصلاح بالعفو والإغضاء إنما يحمد إذا كان عن قدرة لا عن عجز. و { ذٰلِكَ } إشارة إلى المذكور من الصبر والمغفرة، و { عَزْمِ ٱلأمُورِ } الأمور المعزومة المقطوعة أو العازمة الصادقة، وجوز في { مِنْ } أن تكون موصولة وأن تكون شرطية، وفي اللام أن تكون ابتدائية وأن تكون قسمية واكتفى بجواب القسم عن جواب الشرط، وإذا جعلت اللام للابتداء و { مِنْ } شرطية فجملة { إِنَّ ذٰلِكَ } جواب الشرط وحذفت الفاء منها، ومن يخص الحذف بالشعر لا يجوز هذا الوجه، وذكر جماعة أن في الكلام حذفاً أي إن ذلك منه لمن عزم الأمور، وعلل ذلك بأن الجملة خبر فلا بد فيها من رابط و { ذٰلِكَ } لا يصلح له لأنه إشارة إلى الصبر والمغفرة، وكونه مغنياً عنه لأن المراد صبره أو { ذٰلِكَ } رابط والإشارة لمن بتقدير من ذوي عزم الأمور تكلف.

هذا واختار العلامة الطيبـي أن تسمية الفعلية الثانية التي هي الجزاء سيئة من باب التهجين دون المشاكلة، وزعم أن المجازي مسيء وبنى على ذلك ربط جملةإِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظالمين } [الشورى: 40] بما قبل فقال: يمكن أن يقال لما نسب المجازي إلى المساءة في قوله سبحانه:وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا } [الشورة: 40] والمسيء في هذا المقام مفسداً لما في البين بدليل { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ } علل مفهوم ذلك بقوله سبحانه: { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ } كأنه قيل: من أخرج نفسه / بالعفو والإصلاح من الانتساب إلى السيئة والإفساد كان مقسطاً إن الله يحب المقسطين فوضع موضعه { فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ } ومن اشتغل بالمجازاة وانتسب إلى السيئة وأفسد ما في البين وحرم نفسه ذلك الأجر الجزيل كان ظالماً نفسه { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ } فالآية واردة إرشاداً للمظلوم إلى مكارم الأخلاق وإيثار طريق المرسلين.

وقال: إن قوله تعالى:وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ } [الشورى: 41] الخ خطاب للولاة والحكام وتعليم فعل ما ينبغي فعله بدليل قوله سبحانه:إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَظْلِمُونَ ٱلنَّاسَ } [الشورى: 42] حيث أعاد السبيل المنكر بالتعريف وعلق به { يَظْلِمُونَ ٱلنَّاسَ } وفسره بقوله تعالى: { عَذَابٌ أَلِيمٌ } وكذا قوله سبحانه: { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ } الخ تعليم لهم أيضاً طريق الحكم يعني أن صاحب الحق إذا عدل من الأولى وانتصر من الظالم فلا سبيل لكم عليه لما قد رخص له ذلك وإذا اختار الأفضل فلا سبيل لكم على الظالم لأن عفو المظلوم من عزم الأمور فتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان انتهى، ولا يخفى ما فيه وفي «الكشف» أن جعل ما ذكر خطاباً للولاة والحكام يوجب التعقيد في الكلام فالمعول عليه ما قدمناه.

السابقالتالي
2 3