الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ كَذَلِكَ يُوحِيۤ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

كلام مستأنف وارد لتحقيق أن مضمون السورة موافق لما في تضاعيف الكتب المنزلة على سائر الرسل المتقدمين في الدعوة إلى / التوحيد والإرشاد إلى الحق أو أن إيحاءها [مثل إيحائها] بعد تنويهها بذكر اسمها والتنبيه على فخامة شأنها. والكاف مفعول { يُوحَي } على الأول: أي يوحي مثل ما في هذه السورة من المعاني أو نعت لمصدر مؤكد على الثاني: أي يوحي إيحاء مثل إيحائها إليك وإلى الرسل أي بواسطة الملك، وهي في الوجهين اسم كما هو مذهب الأخفش وإن شئت فاعتبرها حرفاً واعتبر الجار والمجرور مفعولاً أو متعلقاً بمحذوف وقع نعتاً، وقول العلامة الثاني في «التلويح»: إن جار الله لا يجوز الابتداء بالفعل ويقدر المبتدأ في جميع ما يقع فيه الفعل ابتداء كلام غير مسلم وقد ترددوا فيه حتى قيل: إنه لم يظهر له وجه. وجوز أبو البقاء كون { كَذٰلِكَ } مبتدأ و { يُوحَي } الخبر والعائد محذوف أي مثل ذلك يوحيه إليك الخ وحذف مثله شائع في الفصيح، نعم هذا الوجه خلاف الظاهر.

والإشارة كما أشرنا إليه إلى ما في السورة أو إلى إيحائها. والدلالة على البعد لبعد منزلة المشار إليه في الفضل. وصيغة المضارع على حكاية الحال الماضية للدلالة على استمراره في الأزمنة الماضية وأن إيحاء مثله عادته عز وجل، وقيل: إنها على التغليب فإن الوحي إلى من مضى مضى وإليه عليه الصلاة والسلام بعضه ماض وبعضه مستقبل، وجوز أن تكون على ظاهرها ويضمر عامل يتعلق به { إِلَى ٱلَّذِينَ } أي وأوحي إلى الذين وهو كما ترى. وفي جعل مضمون السورة أو إيحائها مشبهاً به من تفخيمها ما لا يخفى.

وقرأ مجاهد وابن كثير وعياش ومحبوب كلاهما عن أبـي عمرو { يوحى } مبنياً للمفعول على أن { كَذٰلِكَ } مبتدأ و { يوحى } خبره المسند إلى ضميره أو مصدر و { يوحى } مسند إلى { إِلَيْكَ } و { ٱللَّهِ } مرتفع عند السكاكي على الفاعلية ليوحى الواقع في جواب من يوحي؟ نحو ما قرروه في قوله تعالى:يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوّ وَٱلأَصَالِ * رِجَالٌ } [النور: 36ـ37] على قراءة { يُسَبّحُ } بالبناء للمفعول، وقوله:
ليبك يزيد ضارع لخصومة   ومختبط مما تطيح الطوائح
وقال الزمخشري: رافعه ما دل عليه { يُوحَي } كأن قائلاً قال: من الموحي؟ فقيل: الله وإنما قدر كذلك على ما قاله صاحب «الكشف» ليدل على أن الإيحاء مسلم معلوم وإنما الغرض من الإخبار إثبات اتصافه بأنه تعالى من شأنه الوحي لا إثبات أنه موح، ولم يرتض القول بعدم الفرق بين هذا وقوله تعالى: { يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوّ وَٱلأَصَالِ * رِجَالٌ } بل أوجب الفرق لأن الفعل المضارع هنالك على ظاهره لم يؤت به للدلالة على الاستمرار ولهم فيه مقال.

و { ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ } صفتان له تعالى عند الشيخين. وجوز أبو حيان كون الاسم الجليل مبتدأ وما بعده خبر له وقيل: { ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } إلى آخر السورة قائم مقام فاعل { يُوحِى } أي هذه الكلمات.

وقرأ أبو حيوة. والأعشى عن أبـي بكر. وأبان { نوحي } بنون العظمة فالله مبتدأ وما بعده خبر أو { ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ } صفتان، وقوله تعالى: { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ... }