الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٍ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ }

{ وَمِنْ ءايَـٰتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } على ما هما عليه من تعاجيب الصنائع فإنها بذاتها وصفاتها تدل على شؤونه تعالى العظيمة، ومن له أدنى إنصاف وشعور يجزم باستحالة صدورها من الطبيعة العديمة الشعور. { وَمَا بَثَّ فِيهِمَا } عطف على { ٱلسَّمَـٰوَاتِ } أي ومن آياته خلق ما بث أو عطف على { خُلِقَ } أي ومن آياته ما بث. و { مَا } تحتمل الموصولية والمصدرية والموصولية أظهر ولا حاجة عليه إلى تقدير مضاف أي خلق الذي بث خلافاً لأبـي حيان { مِن دَابَّةٍ } أي حيوان له دبيب وحركة.

وظاهر الآية وجود ذلك في السمٰوات وفي الأرض وبه قال مجاهد وفسر الدابة بالناس والملائكة، ويجوز أن يكون للملائكة مشي مع الطيران، واعترض ذلك ابن المنير بأن إطلاق الدابة على الأناسي بعيد في عرف اللغة فكيف بالملائكة؟ وادعى أن الأصح كون الدواب في الأرض لا غير. وما في أحد الشيئين يصدق أنه فيهما في الجملة، فالآية على أسلوبيَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } [الرحمن: 22] وذلك لقوله تعالى في [البقرة: 164]:وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلّ دَابَّةٍ } فإنه يدل على اختصاص الدواب بالأرض لأن مقام الإطناب يقتضي ذكره لو كان لا للعمل بمفهوم اللقب الذي لا يقول به الجمهور.

والجواب أن التي في البقرة لما كانت كلاماً مع الغبـي والفهم والمسترشد والمعاند جىء فيه بما هو معروف عند الكل وهو بث الدواب في الأرض وأما هٰهنا فجىء به مدمجاً مختصراً لما تكرر في القرآن ولا سيما في هذه السورة من كمال قدرته على كل ممكن فقيل: { وَمِنْ ءايَـٰتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا } مؤثراً على لفظ الخلق ليدل على التكثير الدال على كمال القدرة وبين بقوله تعالى: { مِن دَابَّةٍ } تعميماً وتغليباً لغير ذوي العلم في السماوي والأرضي تحقيقاً للمخلوقية فقد ثبت في صحاح الأحاديث ما يدل على وجود الدواب في السماء من مراكب أهل الجنة وغيرها، وكذلك ما يدل على وجود ملائكة كالأوعال بل لا يبعد أن يكون في كل سماء حيوانات ومخلوقات على صور شتى وأحوال مختلفة لا نعلمها ولم يذكر في الأخبار شيء منها فقد قال تعالى:وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [النحل: 8] وأهل الأرصاد اليوم يتراءى لهم بواسطة نظاراتهم مخلوقات في جرم القمر لكنهم لم يحققوا أمرها لنقص ما في الآلات على ما يدعون، ويحتمل أن يكون فيما عدا القمر ونفي ذلك ليس من المعلوم من الدين بالضرورة ليضر القول به.

وقيل: المراد بالسمٰوات جهات العلو المسامتة للأقاليم مثلاً وفي جو كل إقليم بل كل بلدة بل كل قطعة من الأرض حيوانات لا يحصي كثرتها إلا الله تعالى بعضها يحس بها بلا واسطة آلة وبعضها بواسطتها، وقيل: المراد بها السحب وفيها من الحيوانات ما فيها وكل ذلك على ما فيه لا يحتاج إليه، وكذا لا يحتاج إلى ما ذهب إليه كثير من أن المراد بالدابة الحي مجازاً إما من استعمال المقيد في المطلق أو إطلاق الشيء على لازمه أو المسبب على سببه لأن الحياة سبب للدبيب وإن لم تكن الدابة سبباً للحي فيكون مجازاً مرسلاً تبعياً لأن الاحتياج إلى ذلك عدول عن الظاهر ولا يعدل عنه إلا إذا دل دليل على خلافه وأين ذلك الدليل؟ بل هو قائم على وجود الدواب في السماء كما هي موجودة في الأرض.

السابقالتالي
2