الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ذَلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ }

{ ذٰلِكَ } / الفضل الكبير أو الثواب المفهوم من السياق هو { ٱلَّذِي يُبَشّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ } أي يبشر به فحذف الجار ثم العائد إلى الموصول كما هو عادتهم في التدريج في الحذف، ولا مانع كما قال الشهاب من حذفهما دفعة، وجوز كون (ذلك) إشارة إلى التبشير المفهوم من { يُبَشّرُ } بعد والإشارة قد تكون لما يفهم بعد كما قرروه في قوله تعالى:وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } [البقرة: 143] ونحوه، والعائد إلى الموصول ضمير منصوب بيبشر على أنه مفعول مطلق له لأنه ضمير المصدر أي ذلك التبشير يبشره الله عباده؛ وزعم أبو حيان أنه لا يظهر جعل الإشارة إلى التبشير لعدم تقدم لفظ البشرى ولا ما يدل عليها وهو ناشيء عن الغفلة عما سمعت فلا حاجة في الجواب عنه أن كون ما تقدم تبشيراً للمؤمنين كاف في صحة ذلك، ثم قال: ((ومن النحويين من جعل { ٱلَّذِي } مصدرية حكاه ابن مالك عن يونس وتأول عليه هذه الآية أي ذلك تبشير الله تعالى عباده، وليس بشيء لأنه إثبات للاشتراك بين مختلفي الحد بغير دليل وقد ثبتت اسمية { ٱلَّذِي } فلا يعدل عن ذلك بشيء لا يقوم به دليل ولا شبهة)).

وقرأ عبد الله بن يعمر وابن أبـي إسحٰق والجحدري والأعمش وطلحة في رواية والكسائي وحمزة { يبشر } ثلاثياً، ومجاهد وحميد بن قيس بضم الياء وتخفيف الشين من أبشر وهو معدى بالهمزة من بشر اللازم المكسور الشين وإما بشر بفتحها فمتعد وبشر بالتشديد للتكثير لا للتعدية لأن المعدى إلى واحد وهو مخفف لا يعدى بالتضعيف إليه فالتضعيف فيه للتكثير لا للتعدية.

{ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ } أي على ما أتعاطاه لكم من التبليغ والبشارة وغيرهما { أَجْراً } أي نفعاً ما، ويختص في العرف بالمال { إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ } أي إلا مودتكم أياي { فِي ٱلْقُرْبَىٰ } أي لقرابتي منكم ففي للسببية مثلها في «إن امرأة دخلت النار في هرة» فهي بمعنى اللام لتقارب السبب والعلة، وإلى هذا المعنى ذهب مجاهد وقتادة وجماعة.

والخطاب إما لقريش على ما قيل: إنهم جمعوا له مالاً وأرادوا أن يرشوه على أن يمسك عن سب آلهتهم فلم يفعل ونزلت، وله عليه الصلاة والسلام في جميعهم قرابة. أخرج أحمد والشيخان والترمذي وغيرهم عن ابن عباس «أنه سئل عن قوله تعالى: { إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ } فقال سعيد بن جبير: قربى آل محمد صلى الله عليه وسلم فقال ابن عباس: عَجِلْتَ إن النبـي عليه الصلاة والسلام لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة» أو للأنصار بناءً على ما قيل: إنهم أتوه بمال ليستعين به على ما ينوبه فنزلت فرده، وله عليه الصلاة والسلام قرابة منهم لأنهم أخواله فإن أم عبد المطلب وهي سلمى بنت زيد النجارية منهم وكذا أخوال آمنة أمه عليه الصلاة والسلام كانوا على ما في بعض التواريخ من الأنصار أيضاً، أو لجميع العرب لقرابته عليه الصلاة والسلام منهم جميعاً في الجملة كيف لا وهم إما عدنانيون وقريش منهم وإما قحطانيون والأنصار منهم، وقرابته عليه الصلاة والسلام من كل قد علمت وذلك يستلزم قرابته من جميع العرب، وقضاعة من قحطان لا قسم برأسه على ما عليه معظم النسابين، والمعنى إن لم تعرفوا حقي لنبوتي وكوني رحمة عامة ونعمة تامة فلا أقل من مودتي لأجل حق القرابة وصلة الرحم التي تعتنون بحفظها ورعايتها.

السابقالتالي
2 3 4 5