الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلِذَلِكَ فَٱدْعُ وَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ }

{ فَلِذَلِكَ } أي إذا كان الأمر كما ذكر فلأجل ذلك التفرق ولما حدث بسببه من تشعب الكفر في الأمم السالفة شعباً { فَٱدْعُ } إلى الائتلاف والاتفاق على الملة الحنيفية القديمة { وَٱسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ } أي اثبت على الدعاء كما أوحي إليك، وقيل: الإشارة إلى قوله تعالى:شَرَعَ لَكُم } [الشورى: 13] وما يتصل به ونقل عن الواحدي أي ولأجل ذلك من التوصية التي شوركتَ فيها مع نوح ومن بعده ولأجل ذلك الأمر بالإقامة والنهي عن التفرق فادع، وما ذكر أولاً أولى لأن قوله تعالى: { أَنْ أَقِيمُواْ } شمل النبـي عليه الصلاة والسلام وأتباعه كما سمعت، ويدل عليهكَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ } [الشورى: 13] فقوله تعالى: { فَلِذَلِكَ فَٱدْعُ } الخ لا يتسبب عنه لما يظهر من التكرار وهو تفرع الأمر عن الأمر، وأما تسببه عن تفرقهم فظاهر على معنى فلما أحدثوا من التفرق وأبدعوا فاثبت أنت على الدعاء الذي أمرت به واستقم وهذا ظاهر للمتأمل.

ومن الناس من جعل المشار إليه الشرع السابق ولم يدخل فيه الأمر بالإقامة لئلا يلزم التكرار أي فلأجل أنه شرع لهم الدين القويم القديم الحقيق بأن يتنافس فيه المتنافسون فادع، وقيل: هو الكتاب، وقيل: هو العلم المذكور في قوله تعالى:جَاءهُمُ ٱلْعِلْمُ } [الشورى: 14] وقيل: هو الشك ورجح بالقرب وليس بذاك. واللام على جميع الأقوال المذكورة للتعليل، وقيل: على بعضها هي بمعنى إلى صلة الدعاء فما بعدها هو المدعو إليه، وأنت تعلم أنه لا حاجة في إرادة ذلك إلى جعلها بمعنى إلى فإن الدعاء يتعدى بها أيضاً كما في قوله:
دعوت لما نابني مسوراً   
ونقل ذلك عن الفراء والزجاج، وأياً ما كان فالفاء الأولى واقعة في جواب شرط مقدر كما أشرنا إليه والفاء الثانية مؤكدة للأولى، وقيل: كان الناس بعد الطوفان أمة واحدة موحدين فاختلف أبناؤهم بعد موتهم حين بعث الله تعالى النبيين مبشرين ومنذرين، وجعل ضمير { تَفَرَّقُواْ } لأخلاف أولئك الموحدين والذين أورثوا الكتاب باق على ما تقدم والأول أظهر. وقيل: ضمير { تَفَرَّقُواْ } لأهل الكتاب تفرقوا من بعد ما جاءهم العلم بمبعث النبـي صلى الله عليه وسلم فهذا كقوله تعالى:وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ ٱلْبَيّنَةُ } [البينة: 4] وإنما تفرقوا حسداً له عليه الصلاة والسلام لالشبهة. والمراد بالذين أورثوا الكتاب من بعدهم مشركو مكة وأحزابهم لأنهم أورثوا القرآن فالكتاب القرآن وضمير { مِنْه } له وقيل للرسول وهو خلاف الظاهر.

واختار كونَ المتفرقين أهل الكتاب / اليهود والنصارى والمورثين الشاكين مشركي مكة وأحزابهم شيخُ الإسلام واستظهر أن الخطاب فيأَقِيمُواْ ٱلدّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ } [الشورى: 13] لأمته صلى الله عليه وسلم، وتعقب القول بكون المتفرق كل أمة بعد نبيها والقول بكونه أخلاف الموحدين الذين كانوا بعد الطوفان فقال: يرد ذلك قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3