الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ٱللَّهُ يَجْتَبِيۤ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ }

{ شَرَعَ لَكُم مّنَ ٱلِدِينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ } وإيذان بأن ما شرع سبحانه لهم صادر عن كمال العلم والحكمة كما أن بيان نسبته إلى المذكورين عليهم الصلاة والسلام تنبيه على كونه ديناً قديماً أجمع عليه الرسل. والخطاب لأمته عليه الصلاة والسلام أي شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً ومن بعده من أرباب الشرائع وأولي العزم من مشاهير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأمرهم به أمراً مؤكداً. وتخصيص المذكورين بالذكر لما أشير إليه من علو شأنهم وعظم شهرتهم ولاستمالة قلوب الكفرة إلى الاتباع لاتفاق كل على نبوة بعضهم واختصاص اليهود بموسى عليه السلام والنصارى بعيسى عليه السلام وإلا فما من نبـي إلا وهو مأمور بما أمروا به من إقامة دين الإسلام وهو التوحيد وما لا يختلف باختلاف الأمم وتبدل الأعصار من أصول الشرائع والأحكام كما ينبىء عنه التوصية فإنها معربة عن تأكيد الأمر والاعتناء بشأن المأمور به.

والمراد بإيحائه إليه صلى الله عليه وسلم إما ما ذكر في صدر السورة الكريمة وفي قوله تعالى:وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } [الشورى: 7] الآية وإما ما يعمهما وغيرهما مما وقع في سائر المواقع التي من جملتها قوله تعالى:ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرٰهِيمَ حَنِيفًا } [النحل: 123] وقوله سبحانه:قُلْ إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } [الكهف: 110] وغير ذلك. وإيثار الإيحاء على ما قبله وما بعده من التوصية لمراعاة ما وقع في الآيات المذكورة ولما في الإيحاء من / التصريح برسالته عليه الصلاة والسلام القامع لإنكار الكفرة، والالتفات إلى نون العظمة لإظهار كمال الاعتناء بإيحائه، وفي ذلك إشعار بأن شريعته صلى الله عليه وسلم هي الشريعة المعتنى بها غاية الاعتناء ولذا عبر فيها بالذي التي هي أصل الموصولات وذلك هو السر في تقديم الذي أوحي إليه عليه الصلاة والسلام على ما بعده مع تقدمه عليه زماناً. وتقديم توصية نوح عليه السلام للمسارعة إلى بيان كون المشروع لهم ديناً قديماً، وقد قيل: إنه عليه الصلاة والسلام أول الرسل. وتوجيه الخطاب إليه عليه الصلاة والسلام بطريق التلوين للتشريف والتنبيه على أنه تعالى شرعه لهم على لسانه صلى الله عليه وسلم.

{ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدّينَ } أي دين الإسلام الذي هو توحيد الله تعالى وطاعته والإيمان بكتبه ورسله وبيوم الجزاء وسائر ما يكون العبد به مؤمناً. والمراد بإقامته تعديل أركانه وحفظه من أن يقع فيه زيغ أو المواظبة عليه. و { أن } مصدرية وتقدم الكلام في وصلها بالأمر والنهي أو مخففة من الثقيلة لما في { شَرَعَ } من معنى العلم. والمصدر إما منصوب على أنه بدل من مفعول { شَرَعَ } والمعطوفين عليه أو مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف والجملة جواب عن سؤال نشأ من إبهام المشروع كأنه قيل: وما ذاك؟ فقيل: هو أن أقيموا الدين، وقيل: هو مجرور على أنه بدل من ضمير { بِهِ } ولا يلزمه بقاء الموصول بلا عائد لأن المبدل منه ليس في نية الطرح حقيقة، نعم قال شيخ الإسلام: ((إنه ليس بذاك لما أنه مع إفضائه إلى خروجه عن حيز الإيحاء إلى النبـي صلى الله عليه وسلم مستلزم لكون الخطاب في النهي الآتي عن التفرق للأنبياء المذكورين عليهم السلام وتوجيه النهي إلى أممهم تمحل ظاهر مع أن الأظهر أنه متوجه إلى أمته صلى الله عليه وسلم وأنهم المتفرقون)) ثم بين ما استظهره وسنشير إليه إن شاء الله تعالى.

السابقالتالي
2 3