الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ }

وقوله تعالى: { فَاطِرَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } خبر آخر لذلكم أو خبر لمبتدأ محذوف أي هو فاطر أو صفة لربـي أو بدل منه أو مبتدأ خبره { جَعَلَ لَكُمُ } وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما بالجر على أنه بدل من ضمير { إِلَيْهِ } أو { عَلَيْهِ } أو وصف للاسم الجليل في قوله تعالى:إِلَى ٱللَّهِ } [الشورى:10] وما بينهما جملة معترضة بين الصفة والموصوف. وقد تقدم معنى فاطر وجعل أي خلق { مّنْ أَنفُسِكُمْ } من جنسكم { أَزْوٰجاً } نساء. وتقديم الجار والمجرور على المفعول الصريح لما مر غير مرة { وَمِنَ ٱلأَنْعَـٰمِ أَزْوٰجاً } أي وخلق للأنعام من جنسها أزواجاً كما خلق لكم من أنفسكم أزواجاً ففيه جملة مقدرة لدلالة القرينة أو وخلق لكم من الأنعام أصنافاً أو ذكوراً وإناثاً.

{ يَذْرَؤُكُمْ } يكثركم يقال ذرأ الله تعالى الخلق بثهم وكثرهم والذرء والذر أخوان { فِيهِ } أي فيما ذكر من التدبير وهو أن جعل سبحانه للناس والأنعام أزواجاً يكون بينهم توالد وجعل التكثر في هذا الجعل لوقوعه في خلاله وأثنائه فهو كالمنبع له، ويجوز أن تكون (في) للسببية وغلب في { يَذْرَؤُكُمْ } المخاطبون العقلاء على الغيب مما لا يعقل فهناك تغليب واحد اشتمل على جهتي تغليب وذلك لأن الأنعام غائب غير عاقل فإذا أدخلت في خطاب العقلاء كان فيه تغليب العقل والخطاب معاً، وهذا التغليب ـ أعني التغليب لأجل الخطاب والعقل ـ من الأحكام ذات العلتين وهما هنا الخطاب والعقل وهذا هو الذي عناه جار الله وهو مما لا بأس فيه لأن العلة ليست حقيقية، وَزَعْمُ ابنِ المنير ((أن الصحيح أنهما حكمان متباينان غير متداخلين أحدهما: مجيئه على نعت ضمير العقلاء أعم من كونه مخاطباً أو غائباً، والثاني مجيئه بعد ذلك على نعت الخطاب فالأول لتغليب العقل والثاني لتغليب الخطاب)) ليس بشيء ولا يحتاج إليه. وكلام صاحب «المفتاح» يحتمل اعتبار تغليبين: أحدهما تغليب المخاطبين على الغيب، وثانيهما تغليب العقلاء على ما لا يعقل، وقال الطيبـي: إن المقام يأبـى ذلك لأنه يؤدي إلى أن الأصل يذرؤكم ويذرؤها ويذرؤكن ويذرؤها لكن الأصل يذرؤكم ويذرؤها لا غير لأن ـ كم ـ في { يَذْرَؤُكُمْ } هو كم في { جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا } بعينه لكن غلب هٰهنا على الغيب فليس في يذرؤكم إلا تغليب واحد انتهى. ثم إنه لا ينبغي أن يقال: إن التذرئة حكم علل في الآية بعلتين: إحداهما جعل الناس أزواجاً، والثانية جعل الأنعام أزواجاً ويجوز أن يكون هو الذي عناه جار الله لأن الحكم هو البث المطلق وعلته المجموع وإن جعل كل جزء منه علة فكل بث حكم أيضاً فأين الحكم الواحد المتعدد علته فافهم.

وعن ابن عباس أن معنى { يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ } يجعل لكم فيه معيشة تعيشون بها، وقريب منه قول ابن زيد يرزقكم فيه، والظاهر عليه أن الضمير لجعل الأزواج من الأنعام.

السابقالتالي
2 3 4 5