الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى ٱللَّهِ ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ }

{ وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْء } إلى آخره حكاية لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمؤمنين أي ما خالفكم الكفار فيه من أمور الدين كاتخاذ الله تعالى وحده ولياً فاختلفتم أنتم وهم { فَحُكْمُهُ } راجع { إِلَى ٱللَّهِ } وهو إثابة المحقين وعقاب المبطلين، ويجوز أن يكون كلاماً من جهته تعالى متضمناً التسلية ويكون قوله تعالى: { ذٰلِكُم } الخ بتقدير قل، والإمام اعتبره من أول الكلام، وأياً ما كان فالإشارة إليه تعالى من حيث اتصافه بما تقدم من الصفات على ما قاله الطيبـي من كونه تعالى هو يحي الموتى وكونه سبحانه على كل شيء قدير وكونه عز وجل ما اختلفوا فيه فحكمه إليه. وقال في «الإرشاد»: ((أي ذلكم الحاكم العظيم الشأن { ٱللَّهُ رَبّي } مالكي { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } في مجامع أموري خاصة لا على غيره { وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } أرجع في كل ما يعن لي من معضلات الأمور لا إلى أحد سواه وحيث كان التوكل أمراً واحداً مستمراً والإنابة متعددة متجددة حسب تجدد موادها أوثر في الأول صيغة الماضي وفي الثاني صيغة المضارع، وقيل: وما اختلفتم فيه وتنازعتم من شيء من الخصومات فتحاكموا فيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تؤثروا على حكومته حكومة غيره كقوله تعالى:فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْء فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ } [النساء: 59]. وقيل: وما اختلفتم فيه من شيء من تأويل آية واشتبه عليكم فارجعوا في بيانه إلى المحكم من كتاب الله تعالى والظاهر من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: وما وقع بينكم الخلاف فيه من العلوم التي لا تتعلق بتكليفكم ولا طريق لكم إلى علمه فقولوا الله تعالى أعلم كمعرفة الروح)).

وأورد على الكل أنه مخالف للسياق لأن الكلام مسوق للمشركين وهو على ذلك مخصوص بالمؤمنين. وظاهر كلام الإمام اختيار الاختصاص فإنه قال في وجه النظم الكريم: إنه تعالى كما منع رسوله صلى الله عليه وسلم أن يحمل الكفار على الإيمان كذلك منع المؤمنين أن يشرعوا معه في الخصومات والمنازعات، وذكر أنه احتج نفاة القياس به فقالوا: إما أن يكون المراد منه وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه مستفاد من نص الله تعالى أو من القياس على ما نص سبحانه عليه والثاني باطل لأنه يقتضي أن تكون كل الأحكام مبنية على القياس فتعين الأول، ولقائل أن يقول: لم لا يجوز أن يكون المراد فحكمه معروف من بيان الله تعالى سواء كان ذلك البيان بالنص أو بالقياس؟ وأجيب عنه بأن المقصود من التحاكم إلى الله تعالى قطع الاختلاف لقوله تعالى: { وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ } والرجوع إلى القياس مما يقوي الاختلاف فوجب الرجوع إلى النصوص اهـ.

السابقالتالي
2