الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ }

أي غير مقطوع مذكوراً على جهة الاستطراد تعريضاً بالمشركين وأن نصيبهم مقطوع حيث لم يزكوا أنفسهم كما زكوا، واستدل على الاستطراد بالآية بعد. وفي «الكشف» القول الأول أظهر والمشركون باق على عمومه لا من باب إقامة الظاهر مقام المضمر كهذا القول وأن الجملة معترضة كالتعليل لما أمرهم به وكذلك { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } الآية لأنه بمنزلة وويل للمشركين وطوبـى للمؤمنين، وفيهما من التحذير والترغيب ما يؤكد أن الأمر بالإيمان والاستقامة تأكيداً لا يخفى حاله على ذي لب، وكذلك الزكاة فيه على الظاهر. وخص من بين أوصاف الكفرة منعها لما أنها معيار على الإيمان المستكن في القلب، كيف وقد قيل: المال شقيق الروح بل قال بعض الأدباء:
وقالوا شقيق الروح مالك فاحتفظ   به فأجبت المال خير من الروح
أرى حفظه يقضي بتحسين حالتي   وتضييعه يفضي لتسآل مقبوح
والصرف عن الحقيقة الشرعية الشائعة من غير موجب لا يجوز كيف ومعنى الإيتاء لا يقر قراره، نعم لو كان بدله يأتون كما في قوله تعالى:وَلاَ يَأْتُونَ ٱلصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَىٰ } [التوبة: 54] لحسن لا يقال: إن الزكاة فرضت بالمدينة والسورة مكية لأنا نقول: إطلاق الاسم على طائفة مخرجة من المال على وجه من القربة مخصوص كان شائعاً قبل فرضيتها بدليل شعر أمية بن أبـي الصلت الفاعلون للزكوات، على أن هذا الحق على هذا الوجه المعروف فرض بالمدينة، / وقد كان في مكة فرض شيء من المال يخرج إلى المستحق لا على هذا الوجه وكان يسمى زكاة أيضاً ثم نسخ انتهى. ومنه يعلم سقوط ما قاله الطيبـي. بقي مخالفة الحبر وهي لا تتحقق إلا إذا تحققت الرواية عنه وبعده الأمر أيضاً سهل، ولعله رضي الله تعالى عنه كان يقرأ (لا يأتون) من الإتيان إذ القراءة المشهورة تأبـى ذلك إلا بتأويل بعيد، والعجب نسبة ما ذكر عن الحبر في «البحر» إلى الجمهور أيضاً، وحمل الآية على ذلك مخلص بعض ممن لا يقول بتكليف الكفار بالفروع لكن لا يخفى حال الحمل وهي على المعنى المتبادر دليل عليه وممن لا يقول به قال: هم مكلفون باعتقاد حقيتها دون إيقاعها والتكليف به بعد الإيمان فمعنى الآية لا يؤتون الزكاة بعد الإيمان، وقيل: المعنى لا يقرون بفرضيتها، والقول بتكليف المجنون أقرب من هذا التأويل، وقيل كلمة { وَيْلٌ } تدل على الذم لا التكليف وهو مذموم عقلاً، وفيه بحث لا يخفى.

هذا وقيل في { مَمْنُونٍ } لا يمن به عليهم من المن بمعنى تعداد النعم، وأصل معناه الثقل فأطلق على ذلك لثقله على الممنون عليه، وعن ابن عباس تفسيره بالمنقوص، وأنشدوا لذي الأصبع العدواني:
إني لعمرك ما بابـي بذي غلق   عن الصديق ولا زادي بممنون
والآية على ما روي عن السدي نزلت في المرضى والهرمى إذا عجزوا عن كمال الطاعات كتب لهم من الأجر في المرض والهرم مثل الذي كان يكتب لهم وهم أصحاء وشبان ولا تنقص أجورهم وذلك من عظيم كرم الله تعالى ورحمته عز وجل.