الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِيۤ آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَـٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ }

{ وَلَوْ جَعَلْنَـٰهُ قُرْءاناً أعْجَمِيّاً } جواب لقولهم: هلا أنزل القرآن بلغة العجم، والضمير للذكر { لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصّلَتْ ءايَـٰتُهُ } أي بينت لنا وأوضحت بلسان نفقهه، وقوله تعالى: { ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ } بهمزتين الأولى للاستفهام والثانية همزة أعجمي والجمهور يقرؤون بهمزة استفهام بعدها مدة هي همزة أعجمي إنكار مقرر للتحضيض أي أكلام أعجمي ورسول أو مرسل إليه عربـي، وحاصله أنه لو نزل كما يريدون لأنكروا أيضاً وقالوا مالك وللعجمة أو مالنا وللعجمة. والأعجمي أصله أعجم بلا ياء ومعناه من لا يفهم كلامه للكنته أو لغرابة لغته وزيدت الياء للمبالغة كما في أحمري ودواري وأطلق على كلامه مجازاً لكنه اشتهر حتى التحق بالحقيقة، وزعم صاحب «اللوامح» أن الياء فيه بمنزلة ياء كرسي وهو وهم، وقيل: { عَرَبِيٌّ } على احتمال أن يكون المراد ومرسل إليه عربـي مع أن المرسل إليهم جمع فحقه أن يقال: عربية أو عربيون لأن المراد بيان التنافي والتنافر بين الكلام وبين المخاطب به لا بيان كون المخاطب به واحداً أو جمعاً، ومن حق البليغ أن يجرد الكلام للدلالة على ما ساقه له ولا يأتي بزائد عليه إلا ما يشد من عضده فإذا رأى لباساً طويلاً على امرأة قصيرة قال: اللباس طويل واللابس قصير دون واللابسة قصيرة لأن الكلام لم يقع في ذكورة اللابس وأنوثته فلو قال لخيل إن لذلك مدخلاً فيما سيق له الكلام، وهذا أصل من الأصول يجب أن يكون على ذكر، ويبنى عليه الحذف والإثبات والتقييد والإطلاق إلى غير ذلك في كلام الله تعالى وكل كلام بليغ.

وقرأ عمرو بن ميمون { أعجمي } بهمزة استفهام بفتح العين أي أكلام منسوب إلى العجم وهم من عدا العرب وقد يخص بأهل فارس ولغتهم العجمية أيضاً فبين الأعجمي والعجمي عموم / وخصوص من وجه، والظاهر أن المراد بالعربـي مقابل الأعجمي في القراءة المشهورة ومقابله العجمي في القراءة الأخرى. وقرأ الحسن وأبو الأسود والجحدري وسلام والضحاك وابن عباس وابن عامر بخلاف عنهما { أعجمي } بلا استفهام وبسكون العين على أن الكلام إخبار بأن القرآن أعجمي والمتكلم به أو المخاطب عربـي. وجوز أن يكون المراد هلا فصلت آياته فجعل بعضها أعجمياً لإفهام العجم وبعضها عربياً لإفهام العرب وروي هذا عن ابن جبير فالكلام بتقدير مبتدأ هو بعض أي بعضها أعجمي وبعضها عربـي، والمقصود به من الجملة الشرطية إبطال مقترحهم وهو كونه بلغة العجم باستلزامه المحذور وهو فوات الغرض منه إذ لا معنى لإنزاله أعجمياً على من لا يفهمه أو الدلالة على أنهم لا ينفكون عن التعنت فإذا وجدت الأعجمية طلبوا أمراً آخر وهكذا.

{ قُلْ } رداً عليهم { هُوَ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ هُدًى } يهدي إلى الحق { وَشِفَاءٌ } لما في الصدور من شك وشبهة { وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } مبتدأ خبره { فِي ءاذَانِهِمْ وَقْرٌ } على أن { فِي ءاذَانِهِمْ } خبر مقدم و(وقر) مبتدأ أي مستقر في آذانهم وقر أي صمم من فلا يسمعونه، وقيل: خبر الموصول (في آذانهم) و { وَقْرٌ } فاعل الظرف، وقيل: { وَقْرٌ } خبر مبتدأ محذوف تقديره هو أي القرآن و { فِي ءاذَانِهِمْ } متعلق بمحذوف وقع حالاً من { وَقْرٌ }.

السابقالتالي
2 3