الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ ٱلْعَذَابِ ٱلْهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }

{ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَـٰهُمْ } قال ابن عباس وقتادة والسدي: أي بينا لهم، وأرادوا بذلك على ما قيل بيان طريقي الضلالة والرشد كما في قوله تعالى:وَهَدَيْنَـٰهُ ٱلنَّجْدَينِ } [البلد: 10] وهو أنسب بقوله تعالى: { فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ } أي فاختاروا الضلالة على الهدى فإنه ظاهر في أنه بين لهم الطريقان فاختاروا أحدهما، وصرح ابن زيد بذلك فقد حكي عنه أنه قال: أي أعلمناهم الهدى من الضلال، وفسر غير واحد الهداية هنا بالدلالة أي فدللناهم على الحق بنصب الحجج وإرسال الرسل فاختاروا الضلال ولم يفسروها بالدلالة الموصلة لإباء ظاهر { فَٱسْتَحَبُّواْ } الخ عنه.

واستدل المعتزلة بهذه الآية على أن الإيمان باختيار العبد على الاستقلال بناءً على أن قوله تعالى: { هَدَيْنَاهُمْ } دل على نصب الأدلة وإزاحة العلة، وقوله تعالى: { ٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ } الخ دل على أنهم بأنفسهم آثروا العمى.

والجواب كما في «الكشف» أن في لفظ الاستحباب ما يشعر بأن قدرة الله تعالى هي المؤثرة وأن لقدرة العبد مدخلاً ما فإن المحبة ليست اختيارية بالاتفاق وإيثار العمى حباً وهو الاستحباب من الاختيارية، فانظر إلى هذه الدقيقة تر العجب العجاب. وإلى نحوه أشار الإمام الداعي إلى الله تعالى قدس سره، ومعنى كون المحبة ليست اختيارية أنها بعد حصول ما تتوقف عليه من أمور اختيارية تكون بجذب الطبيعة من غير اختيار للشخص في ميل قلبه وارتباط هواه بمن يحبه، فهي نفسها غير اختيارية لكنها باعتبار مقدماتها اختيارية، ولذلك كلفنا بمحبة الله تعالى ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم. وفي «طوق الحمامة» لابن سعيد أن المحبة ميل روحاني طبيعي، وإليه يشير قوله عز وجل:وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } [الأعراف: 189] أي يميل فجعل علة ميلها كونها منها، وهو المراد بقوله عليه الصلاة والسلام: " الأرواح جنود مجندة " وتكون المحبة لأمور أخر كالحسن والإحسان والكمال، ولها آثار يطلق عليها محبة كالطاعة والتعظيم، وهذه هي التي يكلف بها لأنها اختيارية فاعرفه. وقرأ ابن وثاب والأعمش وبكر بن حبيب { وأما ثمود } بالرفع مصروفاً. وقد قرأ الأعمش وابن وثاب بصرفه في جميع القرآن إلا في قوله تعالى:وَآتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ } [الإسراء: 59] لأنه في المصحف بغير ألف. وقرأ ابن أبـي إسحاق وابن هرمز بخلاف عنه والمفضل، قال ابن عطية: والأعمش / وعاصم، وروي عن ابن عباس { ثمودا } بالنصب والتنوين، وروى المفضل عن عاصم الوجهين والمنع عن الصرف للعلمية والتأنيث على إرادة القبيلة، ومن صرفه جعله اسم رجل، والنصب على جعله من باب الإضمار على شريطة التفسير، ويقدر الفعل الناصب بعده لأن (أما) لا يليها في الغالب إلا اسم. وقرىء بضم الثاء على أنه جمع ثمد وهو قلة الماء فكأنهم سموا بذلك لأنهم كانوا يسكنون في الرمال بين حضرموت وصنعاء وكانوا قليلي الماء.

السابقالتالي
2