الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدْخِلُوۤاْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ }

وقوله تعالى: { ٱلنَّارُ } مبتدأ وجملة قوله تعالى { يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً } خبره والجملة تفسير لقوله تعالى:وَحَاقَ } [غافر: 45] الخ. وجوز أن تكون { ٱلنَّارُ } بدلاً من { سُوء ٱلْعَذَابِ } و { يُعْرَضُونَ } في موضوع الحال منها أو من الآل، وأن تكون النار خبر مبتدأ محذوف هو ضمير { سُوء ٱلْعَذَابِ } كأنه قيل: ما سوء العذاب؟ فقيل: هو النار، وجملة { يُعْرَضُونَ } تفسير على ما مر. وفي الوجه الأول من تعظيم أمر النار وتهويل عذابها ما ليس في هذا الوجه كما ذكره صاحب «الكشاف»، ومنشأ التعظيم على ما في «الكشف» الإجمال والتفسير في كيفية تعذيبهم وإفادة كل من الجملتين نوعاً من التهويل. الأولى: الإحاطة بعذاب يستحق أن يسمى سوء العذاب. والثانية: النار المعروض هم عليها غدواً وعشياً.

والسر في إفادة تعظيم النار في هذا الوجه دون ما تضمن تفسير { سُوء ٱلْعَذَابِ } وبيان كيفية التعذيب أنك إذا فسرت { سُوء ٱلْعَذَابِ } بالنار فقد بالغت في تعظيم سوء العذاب ثم استأنفت بيعرضون عليها تتميماً لقوله تعالى: { وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ } من غير مدخل للنار فيما سيق له الكلام، وإذا جئت بالجملتين من غير نظر إلى المفردين وإن أحدهما تفسير للآخر فقد قصدت بالنار قصد الاستقلال حيث جعلتها معتمد الكلام وجئت بالجملة بياناً وإيضاحاً للأولى كأنك قد آذنت بأنها أوضح لاشتمالها على ما لا أسوأ منه أعني النار؛ على أن من موجبات تقديم المسند إليه إنباؤه عن التعظيم مع اقتضاء المقام له وهٰهنا كذلك على ما لا يخفى، والتركيب أيضاً يفيد التقوي على نحو زيد ضربته. ومن هنا قال صاحب «الكشف»: هذا هو الوجه، وأيد بقراءة من نصب { ٱلنَّارُ } بناء على أنها ليست منصوبة بأخص أو أعني بل بإضمار فعل يفسره { يُعْرَضُونَ } مثل يصلون فإن عرضهم على النار إحراقهم بها من قولهم: عرض الأسارى على السيف قتلوا به، وهو من باب الاستعارة التمثيلية بتشبيه حالهم بحال متاع يبرز لمن يريد أخذه، وفي ذلك جعل النار كالطالب الراغب فيهم لشدة استحقاقهم الهلاك.

وهذا العرض لأرواحهم. أخرج ابن أبـي شيبة وهناد وعبد بن حميد عن هزيل بن شرحبيل أن أرواح آل فرعون في أجواف طير سود تغدو وتروح على النار فذلك عرضها. وأخرج عبد الرزاق وابن أبـي حاتم عن ابن مسعود نحو ذلك، وهذه الطير صور تخلق لهم من صور أعمالهم، وقيل ذاك من باب التمثيل وليس بذاك، وذكر الوقتين ظاهر في التخصيص بمعنى أنهم يعرضون على النار صباحاً مرة ومساء مرة أي فيما هو صباح ومساء بالنسبة إلينا، ويشهد له ما أخرجه ابن المنذر والبيهقي في «شعب الإيمان» وغيرهما عن أبـي هريرة أنه كان له صرختان في كل يوم غدوة وعشية كان يقول أول النهار: ذهب الليل وجاء النهار وعرض آل فرعون على النار، ويقول أول الليل: ذهب النهار وجاء الليل وعرض آل فرعون / على النار فلا يسمع أحد صوته إلا استعاذ بالله تعالى من النار، والفصل بين الوقتين إما بترك العذاب أو بتعذيبهم بنوع آخر غير النار.

السابقالتالي
2