الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ذِي ٱلطَّوْلِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ }

وقوله تعالى: { غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ذِى ٱلطَّوْلِ } صفات للاسم الجليل كالعزيز العليم، وذكر غافر الذنب وقابل التوب وذي الطول للترغيب وذكر شديد العقاب للترهيب والمجموع للحث على المقصود منتَنزِيلُ ٱلْكِتَـٰبِ } [غافر: 2] وهو المذكور بعد من التوحيد والإيمان بالبعث المستلزم للإيمان بما سواهما والإقبال على الله تعالى، والأولان منها وإن كانا اسمي فاعل إلا أنهما لم يرد بهما التجدد ولا التقييد بزمان بل أريد بهما الثبوت والاستمرار فإضافتهما للمعرفة بعدهما محضة أكسبتهما تعريفاً فصح أن يوصف بهما أعرف المعارف، والأمر في { ذِى ٱلطَّوْلِ } ظاهر جداً. نعم الأمر في { شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ } مشكل فإن شديداً صفة مشبهة وقد نص سيبويه على أن كل ما إضافته غير محضة إذا أضيف إلى معرفة جاز أن ينوي بإضافته التمحض فيتعرف وينعت به المعرفة إلا ما كان من باب الصفة المشبهة فإنه لا يتعرف ومن هنا ذهب الزجاج إلى أن { شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ } بدل، ويرد عليه أن في توسيط البدل بين الصفات تنافراً بيناً لأن الوصف يؤذن بأن الموصوف مقصود والبدل بخلافه فيكون بمنزلة استئناف القصد بعد ما جعل غير مقصود، والجواب أنه إنما يشكل ظاهراً على مذهب سيبويه وسائر البصريين القائلين بأن الصفة المشبهة لا تتعرف أصلاً بالإضافة إلى المعرفة، وأما على مذهب الكوفيين القائلين بأنها كغيرها من الصفات قد تتعرف بالإضافة ويجوز وصف المعرفة بها نحو مررت بزيد حسن الوجه فلا، ويقال فيما ذكر على المذهب الأول: إن شديداً مؤول بمشدد اسم فاعل من أشده جعله شديداً كأذين بمعنى مؤذن فيعطى حكمه، أو يقال: إنه معرف بأل والأصل الشديد عقابه لكن حذفت لأمن اللبس بغير الصفة لوقوعه بين الصفات واحتمال كونه بدلاً وحده لا يلتفت على ما سمعت إليه ورعاية لمشاكلة ما معه من الأوصاف المجردة منها والمقدر في حكم الموجود، وقد غيروا كثيراً من كلامهم عن قوانينه لأجل المشاكلة حتى قالوا: ما يعرف سحادليه من عنادليه أرادوا ما يعرف ذكره من أنثييه / فثنوا ما هو وتر لأجل ما هو شفع، وجوز كون جميع التوابع المذكورات أبدالاً وتعمد تنكير { شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ } وإبهامه للدلالة على فرط الشدة وعلى ما لا شيء أدهى منه وأمر لزيادة الإنذار.

وفي «الكشف» جعل كلها أبدالاً فيه تنافر عظيم لا سيما في إبدال { ٱلْعَزِيزِ } من { ٱللَّهِ } الاسم الجامع لسائر الصفات العلم النص وأين هذا من براعة الاستهلال؟ وذهب مكي إلى جواز كون { غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ } دون ما قبلهما بدلين وأنهما حينئذ نكرتان، وقد علمت ما فيه مما تقدم، وقال أبو حيان: إن بدل البداء عند من أثبته قد يتكرر وأما بدل كل من كل وبدل بعض من كل وبدل اشتمال فلا نص عن أحد من النحويين أعرفه في جواز التكرار فيها أو منعه إلا أن في كلام بعض أصحابنا ما يدل على أن البدل من البدل جائز دون تعدد البدل واتحاد المبدل منه.

السابقالتالي
2 3