الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ ٱللَّهُ وَقَدْ جَآءَكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ ٱلَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ }

{ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مّنْ ءالِ فِرْعَوْنَ } قيل كان قبطياً ابن عم فرعون وكان يجري مجرى ولي العهد ومجرى صاحب الشرطة، وقيل: كان إسرائيلياً، وقيل: كان غريباً ليس من الفئتين، ووصفه على هذين القولين بكونه من آل فرعون باعتبار دخوله في زمرتهم وإظهار أنه على دينهم وملتهم تقية وخوفاً، ويقال نحو هذا في الإضافة في مؤمن آل فرعون الواقع في عدة أخبار، وقيل: { مّنْ ءالِ فِرْعَوْنَ } على القولين متعلق بقوله تعالى: { يَكْتُمُ إِيمَـٰنَهُ } والتقديم للتخصيص أي رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون دون موسى عليه السلام ومن اتبعه، ولا بأس على هذا في الوقف على { مُّؤْمِنٌ }. واعترض بأن كتم يتعدى بنفسه دون من فيقال: كتمت فلاناً كذا دون كتمت من فلان قال الله تعالى:وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } [النساء: 42] وقال الشاعر:
كتمتك ليلاً بالجمومين ساهراً   وهمين هما مستكناً وظاهرا
أحاديث نفس تشتكي ما يريبها   وورد هموم لن يجدن مصادرا
وأراد على ما في «البحر» كتمتك أحاديث نفس وهمين. وفيه أنه صرح بعض اللغويين بتعديه بمن أيضاً، قال / في «المصباح» كتم من باب قتل يتعدى إلى مفعولين ويجوز زيادة من في المفعول الأول فيقال: كتمت من زيد الحديث كما يقال: بعته الدار وبعتها منه. نعم تعلقه بذلك خلاف الظاهر بل الظاهر تعلقه بمحذوف وقع صفة ثانية لرجل، والظاهر على هذا كونه من آل فرعون حقيقة وفي كلامه المحكي عنه بعدما هو ظاهر في ذلك واسمه قيل: شمعان بشين معجمة، وقيل: خربيل بخاء معجمة مكسورة وراء مهملة ساكنة، وقيل: حزبيل بحاء مهملة وزاي معجمة، وقيل: حبيب.

وقرأ عيسى وعبد الوارث وعبيد بن عقيل وحمزة بن القاسم عن أبـي عمرو { رجل } بسكون الجيم وهي لغة تميم ونجد.

{ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً } أي أتقصدون قتله فهو مجاز ذكر فيه المسبب وأريد السبب، وكون الإنكار لا يقتضي الوقوع لا يصححه من غير تجوز { أَن يَقُولَ رَبّىَ ٱللَّهُ } أي لأن يقول ذلك { وَقَدْ جَاءكُمْ بِٱلْبَيّنَـٰتِ } الشاهدة على صدقه من المعجزات والاستدلالات الكثيرة، وجمع المؤنث السالم وإن شاع أنه للقلة لكنه إذا دخلت عليه أل يفيد الكثرة بمعونة المقام. والجملة حالية من الفاعل أو المفعول. ((وهذا إنكار من ذلك الرجل عظيم وتبكيت لهم شديد كأنه قال: أترتكبون الفعلة الشنعاء التي هي قتل نفس محرمة وما لكم عليه في ارتكابها إلا كلمة الحق التي نطق بها وهي قوله: { رَبّيَ ٱللَّهُ } مع أنه قد جاءكم بالبينات { مّن رَّبّكُمْ } أي من عند من نسب إليه الربوبية وهو ربكم لا ربه وحده، وهذا استدراج إلى الاعتراف)) وفي { أَن يَقُولَ رَبّيَ ٱللَّهُ } إلى { مِنْ رَبُّكُـمْ } نكتة جليلة وهي أن من يقول ربـي الله أو فلان لا يقتضي أن يقابل بالقتل كما لا تقابلون بالقتل إذا قلتم: ربنا فرعون كيف وقد جعل ربه من هو ربكم فكان عليكم بأن تعزروه وتوقروه لا أن تخذلوه وتقتلوه.

السابقالتالي
2