الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ }

وقوله سبحانه: { يَوْمَ هُم بَـٰرِزُونَ } بدل منيَوْمَ ٱلتَّلاَقِ } [غافر: 15] و { هُمْ } مبتدأ و { بَـٰرِزُونَ } خبر والجملة في محل جر بإضافة { يَوْمٍ } إليها، وقيل: وهذا تخريج على مذهب أبـي الحسن من جواز إضافة الظرف المستقبل كإذا إلى الجملة الاسمية نحو أجيئك إذا زيد ذاهب، وسيبويه لا يجوز ذلك ويوجب تقدير فعل بعد الظرف يكون الاسم مرتفعاً به، وجوز أن يكون { يَوْمٍ } ظرفاً لقوله تعالى: { لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَيْء } والظاهر البدلية. وهذه الجملة استئناف لبيان بروزهم وتقرير له وإزاحة لما كان يتوهمه بعض المتوهمين في الدنيا من الاستتار توهماً باطلاً، وجوز أن تكون خبراً ثانياً ـ لهم ـ. وقيل: هي حال من ضمير { بَـٰرِزُونَ }.

و { يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ } يوم القيامة سمي بذلك قال ابن عباس: لالتقاء الخلائق فيه، وقال مقاتل: للالتقاء الخالق والمخلوق فيه. وحكاه الطبرسي عن ابن عباس، وقال السدي: لالتقاء أهل السماء وأهل الأرض؛ وقال ميمون بن مهران: لالتقاء الظالم والمظلوم، وحكى الثعلبـي أن ذلك لالتقاء كل امرء وعمله، واختار بعض الأجلة ما قال مقاتل وقال: هو أولى الوجوه لما فيه من حمل المطلق على ما ورد في كثير من المواضع نحوفَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِهِ } [الكهف: 110]إَنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا } [يونس: 7]وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا } [الفرقان: 21]. وقال صاحب «الكشف»: القول الأول وهو ما نقل عن ابن عباس أولاً أشبه لجريان الكلام فيه على الحقيقة ونفي ما يتوهم من المساواة بين الخالق والمخلوق واستقلال كل من البدلين بفائدة التهويل لما في الأول من تصوير تلاقي الخلائق على اختلاف أنواعها، وفي الثاني من البروز لمالك أمرها بروزاً لا يبقى لأحد فيه شبهة.

وأما نحو قوله تعالى: { لِقَاء رَبّهِ } فمسوق بمعنى آخر.

و { بَـٰرِزُونَ } من برز وأصله حصل في براز أي / فضاء، والمراد ظاهرون لا يسترهم شيء من جبل أو أكمة أو بناء لأن الأرض يومئذٍ قاع صفصف وليس عليهم ثياب إنما هم عراة مكشوفون كما جاء في «الصحيحين» عن ابن عباس " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنكم ملاقو الله حفاة عراة غرلاً " وقيل: المراد خارجون من قبورهم أو ظاهرة أعمالهم وسرائرهم، وقيل: ظاهرة نفوسهم لا تحجب بغواشي الأبدان مع تعلقها بها، ولا يقبل هذا بدون ثبت من المعصوم، والمراد بقوله تعالى: { مِنْهُمْ } على ما قيل: من أحوالهم وأعمالهم. وقيل: من أعيانهم، واختير التعميم أي لا يخفى عليه عز شأنه شيء ما من أعيانهم وأعمالهم وأحوالهم الجلية والخفية السابقة واللاحقة.

وقرأ أبـي { لِيُنذِرَ يَوْمَ } ببناء ينذر للفاعل ورفع يوم على الفاعلية مجازاً.

السابقالتالي
2