الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ رَفِيعُ ٱلدَّرَجَاتِ ذُو ٱلْعَرْشِ يُلْقِي ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ }

{ رَفِيعُ ٱلدَّرَجَـٰتِ } صفة مشبهة أضيفت إلى فاعلها من رَفُعَ الشيء بالضم إذا علا، وجوز أن يكون صيغة مبالغة من باب أسماء الفاعلين وأضيف إلى المفعول وفيه بعد، و { ٱلدَّرَجَـٰتِ } مصاعد الملائكة عليهم السلام إلى أن يبلغوا العرش أي رفيع درجات ملائكته ومعارجهم إلى عرشه. وفسرها ابن جبير بالسماوات ولا بأس بذلك فإن الملائكة يعرجون من سماء إلى سماء حتى يبلغوا العرش إلا أنه جعل رفيعاً اسم فاعل مضافاً إلى المفعول فقال: أي رفع سماء فوق سماء والعرش فوقهن، وقد سمعت آنفاً أن فيه بعداً، ووصفه عز وجل بذلك للدلالة على سبيل الإدماج على عزته سبحانه وملكوته جل شأنه. ويجوز أن يكون كناية عن رفعة شأنه وسلطانه عز شأنه وسلطانه كما أن قوله تعالى: { ذُو ٱلْعَرْشِ } كناية عن ملكه جل جلاله، ولا نظر في ذلك إلى أن له سبحانه عرشاً أو لا، فالكناية وإن لم تناف إرادة الحقيقة لكن لا تقتضي وجوب إرادتها فقد وقد؛ وعن ابن زيد أنه قال: أي عظيم الصفات وكأنه بيان لحاصل المعنى الكنائي، وقيل: هي درجات ثوابه التي ينزلها أولياءه تعالى يوم القيامة، وروي ذلك عن ابن عباس وابن سلام، وهذا أنسب بقوله تعالى:فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ } [غافر: 14] والمعنى الأول أنسب بقوله تعالى: { يُلْقِى ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ } لتضمنه ذكر الملائكة عليهم السلام وهم المنزلون بالروح كما قال سبحانه:يُنَزّلُ ٱلْمَلَـٰئِكَةَ بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ } [النحل: 2] وأياً ما كان ـ فرفيع الدرجات ـ و { ذُو ٱلْعَرْشِ } وجملة { يُلْقِي } أخبار ثلاثة قيل: ـ لهو ـ السابق في قوله تعالى:هُوَ ٱلَّذِى يُرِيكُمُ } [غافر: 13] الخ واستبعده أبو حيان بطول الفصل، وقيل: لهو محذوفاً، والجملة كالتعليل لتخصيص العبادة وإخلاص الدين له تعالى، وهي متضمنة بيان إنزال الرزق الروحاني بعد بيان إنزال الرزق الجسماني فيوَيُنَزّلٍ لَكُم مّنَ ٱلسَّمَاء رِزْقاً } [غافر: 13] فإن المراد بالروح على ما روي عن قتادة الوحي وعلى ما روي عن ابن عباس القرآن وذلك جار من القلوب مجرى الروح من الأجساد، وفسره الضحاك بجبريل عليه السلام وهو عليه السلام حياة القلوب باعتبار ما ينزل به من العلم. وجوز ابن عطية أن يراد به كل ما ينعم الله تعالى به على عباده المهتدين في تفهيم الإيمان والمعقولات الشريفة وهو كما ترى.

وقوله تعالى: { مِنْ أَمْرِهِ } قيل: بيان للروح، وفسر بما يتناول الأمر والنهي، وأوثر على / لفظ الوحي للإشارة إلى أن اختصاص حياة القلوب بالوحي من جهتي التخلي والتحلي الحاصلين بالامتثال والانتهاء. وعن ابن عباس تفسير الأمر بالقضاء فجعلت { مِنْ } ابتدائية متعلقة بمحذوف وقع حالاً من { ٱلرُّوحُ } أي ناشئاً من أمره أو صفة له على رأي من يجوز حذف الموصول مع بعض صلته أي الكائن من أمره، وفسره بعضهم بالملك وجعل { مِنْ } ابتدائية متعلقة بمحذوف وقع حالاً أو صفة على ما ذكر آنفاً، وكون الملك مبدأ للوحي لتلقيه عنه، ومن فسر الروح بجبريل عليه الصلاة والسلام قال: { مِنْ } سببية متعلقة ـ بيلقي ـ والمعنى ينزل الروح من أجل تبليغ أمره.

السابقالتالي
2