الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُـمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى ٱلإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ }

وقوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } شروع في بيان أحوال الكفار بعد دخول النار. { يُنَادَوْنَ } وهم في النار وقد مقتوا أنفسهم الأمارة بالسوء التي وقعوا فيما وقعوا باتباع هواها حتى أكلوا أناملهم من المقت كما أخرج ذلك عبد بن حميد عن الحسن. وفي بعض الآثار أنهم يمقتون أنفسهم حين يقول لهم الشيطان:فلا َتلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُمْ } [إبراهيم: 22] وقيل: يمقتونها حين يعلمون أنهم من أصحاب النار، والمنادي الخزنة أو المؤمنون يقولون لهم إعظاماً لحسرتهم: { لَمَقْتُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُـمْ } وهذا معمول للنداء لتضمنه معنى القول كأنه قيل ينادون مقولاً لهم لمقت الخ أو معمول لقول مقدر بفاء التفسير أي ينادون فيقال لهم: لمقت الخ، وجعله معمولاً للنداء على حذف الجار وإيصال الفعل بالجملة ليس بشيء، و { مَقْتُ } مصدر مضاف إلى الاسم الجليل إضافة المصدر لفاعله، وكذا إضافة المقت الثاني إلى ضمير الخطاب. وفي الكلام تنازع أو حذف معمول الأول من غير تنازل أي لمقت الله إياكم أو أنفسكم أكبر من مقتكم أنفسكم، واللام للابتداء أو للقسم. والمقت أشد البغض؛ والخلف يؤولونه مسنداً إليه تعالى بأشد الإنكار.

{ إِذْ تَدْعُونَ } أي إذ يدعوكم الأنبياء ونوابهم { إِلَى ٱلإِيمَـٰنِ } فتأبون قبوله { فَتَكْفُرُونَ } وهذا تعليل للحكم أو للمحكوم به ـ فإذ ـ متعلقة ـ بأكبر ـ وكان التعبير بالمضارع للإشارة إلى الاستمرار التجددي كأنه قيل: لمقت الله تعالى أنفسكم أكبر من مقتكم إياها لأنكم دعيتم مرة بعد مرة إلى الإيمان فتكرر منكم الكفر، وزمان المقتين واحد على ما هو المتبادر وهو زمان مقتهم أنفسهم الذي حكيناه آنفاً. ويجوز أن يكون تعليلاً لمقتهم أنفسهم و(إذ) متعلقة ـ بمقت ـ الثاني فهم مقتوا أنفسهم لأنهم دعوا مراراً إلى الإيمان فكفروا، والتعبير بالمضارع كما في الوجه السابق، وزمان المقتين كذلك، والعلة في الحقيقة إصرارهم على الكفر مع تكرر دعائهم إلى الإيمان، وجوز أن يكون تعليلاً لمقت الله و { إِذْ } متعلقة به، ويعلم مما سيأتي قريباً إن شاء الله تعالى ما عليه وما له، وظاهر صنيع جماعة من الأجلة اختيار كون { إِذْ } ظرفية لا تعليلية فقيل: هي ظرف ـ لمقت ـ الأول، والمعنى لمقت الله تعالى أنفسكم في الدنيا إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون أشد من مقتكم إياها اليوم وأنتم في النار أو وأنتم متحققون أنكم من أصحابها فزمان المقتين مختلف، وكون زمان الأول الدنيا وزمان الثاني الآخرة مروي عن الحسن، وأخرجه عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد، واعترض عليه غير واحد بلزوم الفصل بين المصدر وما في صلته بأجنبـي هو الخبر، وفي «أمالي ابن الحاجب» لا بأس بذلك لأن الظروف متسع فيها وقيل: هي لمصدر آخر يدل عليه الأول أو لفعل يدل عليه ذلك كما في «البحر».

السابقالتالي
2