الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ يَسْتَوِي ٱلْقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ وَٱلْمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً }

{ لاَّ يَسْتَوِى ٱلْقَـٰعِدُونَ } شروع في الحث على الجهاد ليأنفوا عن تركه وليرغبوا عما يوجب خللاً فيه، والمراد بالقاعدين الذين أذن لهم في القعود عن الجهاد اكتفاءاً بغيرهم، وروى البخاري عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ـ هم القاعدون ـ عن بدر؛ وهو الظاهر الموافق للتاريخ على ما قيل، وقال أبو حمزة: إنهم المتخلفون عن تبوك، وروي أن الآية نزلت في كعب بن مالك من بني سلمة ومرارة بن الربيع من بني عمرو بن عوف والربيع وهلال بن أمية من بني واقف حين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة. { مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } حال من القاعدين، وجوز أن يكون من الضمير المستتر فيه، وفائدة ذلك الإيذان من أول الأمر بأن القعود عن الجهاد لا يقعد بهم عن الإيمان، والإشعار بعلة استحقاقهم لما سيأتي من الحسنى أي لا يعتدل المتخلفون عن الجهاد حال كونهم كائنين من المؤمنين { غَيْرُ أُوْلِى ٱلضَّرَرِ } بالرفع على أنه صفة ـ للقاعدون ـ وهو إن كان معرفة، و { غَيْرُ } لا تتعرف في مثل هذا الموضع لكنه غير مقصود منه ـ قاعدون ـ بعينهم بل الجنس، فأشبه الجنس فصح وصفه بها، وزعم عصام الدين إن { غَيْرُ } هنا معرفة، و { غَيْرُ أُوْلِى ٱلضَّرَرِ } بمعنى لا ضرر له. ونقل عن الرضي ـ وبه ضعف ما تقدم ـ أن المعرف باللام المبهم وإن كان في حكم النكرة لكنه لا يوصف بما توصف به النكرة، بل يتعين أن تكون صفته جملة فعلية فعلها مضارع كما في قوله:
ولقد أمر على اللئيم يسبني   فأصد ثم أقول ما يعنيني
واستحسن بعضهم جعله بدلاً من { ٱلْقَـٰعِدُونَ } لأن أل فيه موصولة، والمعروف إرادة الجنس في المعرف بالألف واللام، وبينهما فرق، وجوز الزجاج الرفع على الاستثناء، وتبعه الواحدي فيه، وقرأ نافع وابن عامر والكسائي بالنصب على أنه حال، وهو نكرة لا معرفة، أو على الاستثناء ظهر إعراب ما بعده عليه، وقرىء بالجر على أنه صفة للمؤمنين، أو بدل منه وكون النكرة لا تبدل من المعرفة إلا موصوفة أكثري لا كلي، والضرر المرض والعلل التي لا سبيل معها إلى الجهاد، وفي معناها ـ أو هو داخل فيها ـ العجز عن الأهبة، وقد نزلت الآية وليس فيها { غَيْرُ أُوْلِى ٱلضَّرَرِ } ثم نزل بعد، فقد روى مالك عن الزهري عن خارجة بن زيد قال: قال زيد بن ثابت: " كنت أكتب بين يدي النبـي صلى الله عليه وسلم في كتف ـ لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون ـ وابن أم مكتوم عند النبـي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله قد أنزل الله تعالى في فضل الجهاد ما أنزل وأنا رجل ضرير فهل لي من رخصة؟ فقال النبـي صلى الله عليه وسلم: لا أدري قال زيد: وقلمي رطب ما جف حتى غشي النبـي صلى الله عليه وسلم الوحي ووقع فخذه على فخذي حتى كادت تدق من ثقل الوحي، ثم جلى عنه، فقال لي: أكتب يا زيد { غَيْرُ أُوْلِى ٱلضَّرَرِ } "

السابقالتالي
2 3