الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوۤاْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً }

{ فَمَا لَكُمْ } مبتدأ وخبر، والاستفهام للإنكار، والنفي والخطاب لجميع المؤمنين، (وما فيه من معنى التوبيخ لبعضهم)، وقوله سبحانه: { فِي ٱلْمُنَـٰفِقِينَ } يحتمل ـ كما قال السمين ـ أن يكون متعلقاً بما يدل عليه قوله تعالى: { فِئَتَيْنِ } [من معنى الافتراق] أي فما لكم تفترقون في المنافقين، وأن يكون حالاً من { فِئَتَيْنِ } أي فئتين مفترقتين في المنافقين، فلما قدم نصب على الحال، وأن يكون متعلقاً بما تعلق به الخبر أي أي شيء كائن لكم في أمرهم وشأنهم، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وفي انتصاب { فِئَتَيْنِ } وجهان ـ كما في «الدر المصون» ـ. وأحدهما: أنه حال من ضمير { لَكُمْ } المجرور والعامل فيه الاستقرار، أو الظرف لنيابته عنه، وهذه الحال لازمة لا يتم الكلام بدونها، وهذا مذهب البصريين في هذا التركيب وما شابهه، وثانيهما: ـ وهو مذهب الكوفيين ـ أنه خبر كان مقدرة أي مالكم في شأنهم كنتم فئتين، ورد بالتزام تنكيره في كلامهم نحوفَمَا لَهُمْ عَنِ ٱلتَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ } [المدثر: 49] وأما ما قيل على الأول: من أن كون ذي الحال بعضاً من عامله غريب لا يكاد يصح عند الأكثرين فلا يكون معمولاً له، ولا يجوز اختلاف العامل في الحال وصاحبها فمن فلسفة النحو كما قال الشهاب، والمراد إنكار أن يكون للمخاطبين شيء مصحح لاختلافهم في أمر المنافقين، وبيان وجوب قطع القوم بكفرهم وإجرائهم مجرى المجاهرين في جميع الأحكام وذكرهم بعنوان النفاق باعتبار وصفهم السابق.

أخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال: هم قوم خرجوا من مكة حتى جاءوا المدينة يزعمون أنهم مهاجرون ثم ارتدوا بعد ذلك فاستأذنوا النبـي صلى الله عليه وسلم إلى مكة ليأتوا ببضائع لهم يتجرون فيها، فاختلف فيهم المسلمون فقائل يقول: هم منافقون وقائل يقول: هم مؤمنون، فبين الله تعالى نفاقهم وأنزل هذه الآية وأمر بقتلهم. وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال: «هم ناس تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقاموا بمكة وأعلنوا الإيمان ولم يهاجروا فاختلف فيهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتولاهم ناس وتبرأ من ولايتهم آخرون وقالوا: تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يهاجروا فسماهم الله تعالى منافقين وبرأ المؤمنين من ولايتهم وأمرهم أن لا يتولوهم حتى يهاجروا»، وأخرج الشيخان والترمذي والنسائي وأحمد وغيرهم عن زيد بن ثابت «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى أحد فرجع ناس خرجوا معه فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فئتين فرقة تقول: نقتلهم وفرقة تقول: لا فأنزل الله تعالى: { فَمَا لَكُمْ فِى ٱلْمُنَـٰفِقِينَ } الآية كلها» ويشكل على هذا ما سيأتي قريباً إن شاء الله تعالى من جعل هجرتهم غاية للنهي عن توليتهم إلا أن يصرف عن الظاهر كما ستعلمه، وقيل: هم العرنيون الذين أغاروا على السرح وأخذوا يساراً راعى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومثلوا به فقطعوا يديه ورجليه وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه حتى مات، ويرده كما قال شيخ الإسلام ما سيأتي إن شاء الله تعالى من الآيات الناطقة بكيفية المعاملة معهم من السلم والحرب وهؤلاء قد أخذوا، وفعل بهم ما فعل من المثلة والقتل ولم ينقل في أمرهم اختلاف المسلمين، وقيل غير ذلك.

السابقالتالي
2