الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثاً }

{ ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } مبتدأ وخبر، وقوله سبحانه: { لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } جواب قسم محذوف أي والله ليجمعنكم، والجملة إما مستأنفة لا محل لها من الإعراب، أو خبر ثان، أو هي الخبر، و { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } اعتراض واحتمال ـ أن تكون خبراً بعد خبر لكان، وجملة { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } معترضة مؤكدة لتهديد قصد بما قبلها وما بعدها ـ بعيد، ثم الخبر وإن كان هو القسم وجوابه لكنه في الحقيقة الجواب فلا يرد وقوع الإنشاء خبراً، ولا أن جواب القسم من الجمل التي لا محل لها من الإعراب فكيف يكون خبراً مع أنه لا امتناع من اعتبار المحل وعدمه باعتبارين، والجمع بمعنى الحشر، ولهذا عدي بإلى كما عدي الحشر بها في قوله تعالى:لإِلَى ٱلله تُحْشَرُونَ } [آل عمران: 158]، وقد يقال: إنما عدي بها لتضمينه معنى الإفضاء المتعدي بها أي ليحشرنكم من قبوركم إلى حساب يوم القيامة، أو مفضين إليه، وقيل: إلى بمعنى في كما أثبته أهل العربية أي ليجمعنكم في ذلك اليوم { لاَ رَيْبَ فِيهِ } أي في يوم القيامة، أو في الجمع، فالجملة إما حال من اليوم، أو صفة مصدر محذوف أي: جمعاً لا ريب فيه والقيامة بمعنى القيام، ودخلت التاء فيه للمبالغة ـ كعلامة ونسابة ـ وسمي ذلك اليوم بذلك لقيام الناس فيه للحساب مع شدة ما يقع فيه من الهول، ومناسبة الآية لما قبلها ظاهرة، وهي أنه تعالى لما ذكر { إِنَّ ٱللَّهَ } تعالىكَانَ عَلَىٰ كُلّ شَىْءٍ حَسِيباً } [النساء: 86] تلاه بالإعلام بوحدانيته سبحانه والحشر والبعث من القبور للحساب بين يديه، وقال الطبرسي: وجه النظم أنه سبحانه لما أمر ونهى فيما قبل بيّـن بعد أنه لا يستحق العبادة سواه (ليعملوا على حسب ما أوجبه عليهم، وأشار إلى أن لهذا العمل جزاءاً ببيان وقته)، وهو يوم القيامة ليجدوا فيه ويرغبوا ويرهبوا

{ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثاً } الإستفهام إنكاري، والتفضيل باعتبار الكمية في الأخبار الصادقة لا الكيفية إذ لا يتصور فيها تفاوت لما أن الصدق المطابقة للواقع وهي لا تزيد، فلا يقال لحديث معين: إنه أصدق من آخر إلا بتأويل وتجوز، والمعنى لا أحد أكثر صدقاً منه تعالى في وعده وسائر أخباره ويفيد نفي المساواة أيضاً كما في قولهم: ليس في البلد أعلم من زيد، وإنما كان كذلك لاستحالة نسبة الكذب إليه سبحانه بوجه من الوجوه، ولا يعرف خلاف بين المعترفين بأن الله تعالى متكلم بكلام في تلك الاستحالة، وإن اختلف مأخذهم في الاستدلال.

وقد استدل المعتزلة على استحالة الكذب في كلام الرب تعالى بأن الكلام من فعله تعالى، والكذب قبيح لذاته ـ والله تعالى لا يفعل القبيح ـ وهو مبني على قولهم: بالحسن والقبح الذاتيين وإيجابهم رعاية الصلاح والأصلح، وأما الأشاعرة فلهم ـ كما قال الآمدي ـ في بيان استحالة الكذب في كلامه تعالى القديم النفساني مسلكان: / عقلي وسمعي، أما المسلك الأول: فهو أن الصدق والكذب في الخبر من الكلام النفساني القديم ليس لذاته ونفسه بل بالنظر إلى ما يتعلق به من المخبر عنه فإن كان قد تعلق به على ما هو عليه كان الخبر صدقاً، وإن كان على خلافه كان كذباً، وعند ذلك فلو تعلق من الرب سبحانه كلامه القائم على خلاف ما هو عليه لم يخل إما أن يكون ذلك مع العلم به أولا لا جائز أن يكون الثاني، وإلا لزم الجهل الممتنع عليه سبحانه من أوجه عديدة، وإن كان الأول فمن كان عالماً بالشيء يستحيل أن لا يقوم به الإخبار عنه على ما هو به وهو معلوم بالضرورة، وعند ذلك فلو قام بنفسه الإخبار عنه على خلاف ما هو عليه حال كونه عالماً به مخبراً عنه على ما هو عليه لقام بالنفس الخبر الصادق والكاذب بالنظر إلى شيء واحد من جهة واحدة، وبطلانه معلوم بالضرورة.

السابقالتالي
2