الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً }

{ وَإِذَا جَآءَهُمْ } أي المنافقين ـ كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والضحاك وأبـي معاذ ـ أو ضعفاء المسلمين ـ كما روي عن الحسن وذهب إليه غالب المفسرين ـ أو الطائفتين كما نقله ابن عطية ـ { أَمْرٌ مّنَ ٱلأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ } أي مما يوجب الأمن والخوف { أَذَاعُواْ بِهِ } أي أفشوه، والباء مزيدة، وفي «الكشاف» «يقال: أذاع السر وأذاع به، ويجوز أن يكون المعنى فعلوا به الإذاعة وهو / أبلغ من أذاعوه» لدلالته على أنه يفعل نفس الحقيقة كما في نحو ـ فلان يعطي ويمنع ـ ولما فيه من الإبهام والتفسير وقيل: الباء لتضمن الإذاعة معنى التحديث وجعلها بمعنى مع والضمير للمجيء مما لا ينبغي تخريج كلام الله تعالى الجليل عليه. والكلام مسوق لبيان جناية أخرى من جنايات المنافقين، أو لبيان جناية الضعفاء إثر بيان جناية المنافقين وذلك أنه إذا غزت سرية من المسلمين خبر الناس عنها فقالوا: أصاب المسلمون من عدوهم كذا وكذا، وأصاب العدو من المسلمين كذا وكذا فأفشوه بينهم من غير أن يكون النبـي صلى الله عليه وسلم هو الذي يخبرهم به، ولا يكاد يخلو ذلك عن مفسدة، وقيل: كانوا يقفون من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأولي الأمر على أمن ووثوق بالظهور على بعض الأعداء، أو على خوف فيذيعونه فينشر فيبلغ الأعداء فتعود الإذاعة مفسدة، وقيل: الضعفاء يسمعون من أفواه المنافقين شيئاً من الخبر عن السرايا مظنون غير معلوم الصحة فيذيعونه قبل أن يحققوه فيعود ذلك وبالاً على المؤمنين، وفيه إنكار على من يحدث بالشيء قبل تحقيقه، وقد أخرج مسلم عن أبـي هريرة مرفوعاً " كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع " والجملة عند صاحب «الكشف» معطوفة على قوله تعالى:وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ } [النساء: 81]، وقوله سبحانه:أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ } [النساء: 82] اعتراض تحذيراً لهم عن الإضمار لما يخالف الظاهر، فإن في تدبر القرآن جاراً إلى طاعة المنزل عليه أي جار، وقيل: الكلام مسوق لدفع ما عسى أن يتوهم في بعض المواد من شائبة الاختلاف بناءاً على عدم فهم المراد ببيان أن ذلك لعدم وقوفهم على معنى الكلام لا لتخلف مدلوله عنه، وذلك أن ناساً من ضعفة المسلمين الذين لا خبرة لهم بالأحوال كانوا إذا أخبرهم النبـي صلى الله عليه وسلم بما أوحي إليه من وعد بالظفر أو تخويف من الكفرة يذيعونه من غير فهم لمعناه ولا ضبط لفحواه على حسب ما كانوا يفهمونه ويحملونه عليه من المحامل، وعلى تقدير الفهم قد يكون ذلك مشروطاً بأمور تفوت بالإذاعة فلا يظهر أثره المتوقع فيكون ذلك منشأ لتوهم الاختلاف ـ ولا يخلو عن حسن ـ غير أن روايات السلف على خلافه، وأياً مّا كان فقد نعى الله تعالى ذلك عليهم.

السابقالتالي
2 3 4