الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلاَفاً كَثِيراً }

{ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءانَ } لعله جواب سؤال نشأ من جعل الله تعالى شهيداً كأنه قيل: شهادة الله تعالى لا شبهة فيها ولكن من أين يعلم أن ما ذكرته شهادة الله تعالى محكية عنه؟ فأجاب سبحانه بقوله: { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ } وأصل التدبر التأمل في أدبار الأمور وعواقبها ثم استعمل في كل تأمل سواء كان نظراً في حقيقة الشيء وأجزائه أو سوابقه وأسبابه أو لواحقه وأعقابه، والفاء للعطف على مقدر أي ـ أيشكون في أن ما ذكر شهادة الله تعالى فلا يتدبرون القرآن الذي جاء به هذا النبـي صلى الله عليه وسلم المشهود له ليعلموا كونه من عند الله فيكون حجة وأي حجة على المقصود ـ وقيل: المعنى أيعرضون عن القرآن فلا يتأملون فيه ليعلموا كونه من عند الله تعالى بمشاهدة ما فيه من الشواهد التي من جملتها هذا الوحي الصادق والنص الناطق بنفاقهم المحكي على ما هو عليه.

{ وَلَوْ كَانَ } أي القرآن. { مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ } كما يزعمون { لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلَـٰفاً كَثِيراً } بأن يكون بعض إخباراته الغيبية كالإخبار عما يسره المنافقون غير مطابق للواقع لأن الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى فحيث اطرد الصدق فيه ولم يقع ذلك قط علم أنه بإعلامه تعالى ومن عنده، وإلى هذا يشير كلام الأصم والزجاج، وفي رواية عن ابن عباس أن المراد لوجدوا فيه تناقضاً كثيراً، وذلك لأن كلام البشر إذا طال لم يخل ـ بحكم العادة ـ من التناقض، وما يظن من الاختلاف كما في كثير من الآيات، ومنه ما سبق آنفاً ليس من الاختلاف عند المتدبرين، وقيل ـ وهو مما لا بأس به خلافاً لزاعمه ـ «المراد لكان الكثير منه مختلفاً متناقضاً قد تفاوت نظمه وبلاغته فكان بعضه بالغاً حد الإعجاز وبعضه قاصراً عنه يمكن معارضته، وبعضه إخباراً بغيب قد وافق المخبر عنه، وبعضه إخباراً مخالفاً للمخبر عنه، وبعضه دالاً على معنى صحيح عند علماء المعاني، وبعضه دالا على معنى فاسد غير ملتئم فلما تجاوب كله بلاغة معجزة (فائقة) لقوى البلغاء وتناصر صحة معان وصدق إخبار علم أنه ليس إلا من عند قادر على ما لا يقدر عليه غيره عالم بما لا يعلمه سواه انتهى«.

/ وهو مبني على كون وجه الإعجاز عند علماء العربية كون القرآن في مرتبة الأعلى من البلاغة، وكون المقصود من الآية إثبات القرآن كله وبعضه من الله تعالى، وحينئذ لا يمكن وصف الاختلاف بالكثرة لأنه لا يكون الاختلاف حينئذ إلا بأن يكون البعض منه معجزاً والبعض غير معجز، وهو اختلاف واحد فلذا جعل (وجدوا) متعدياً إلى مفعولين أولهما: { كَثِيراً } ، وثانيهما: { ٱخْتِلَـٰفاً } بمعنى مخلفاً، وإليه يشير قوله: لكان الكثير منه مختلفاً وإنما جعل اللازم على تقدير كونه من عند غير الله تعالى كون الكثير مختلفاً مع أنه يلزم أن يكون الكل مختلفاً اقتصاراً على الأقل كما في قوله تعالى:

السابقالتالي
2