الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً }

{ مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } وعلى ما ذكرنا ـ ولعله الأولى ـ يكون هذا بياناً للجواب المجمل المأمور به، والخطاب فيه كما قال الجبائي وروي عن قتادة: عام لكل من يقف عليه لا للنبـي صلى الله عليه وسلم كقوله:
إذا أنت أكرمت (الكريم) ملكته   وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
ويدخل فيه المذكورون دخولاً أولياً، وفي إجراء الجواب أولاً: على لسان النبـي صلى الله عليه وسلم وسوق البيان من جهته تعالى ثانياً: بطريق تلوين الخطاب، والالتفات إيذان بمزيد الاعتناء به والاهتمام برد اعتقادهم الباطل وزعمهم الفاسد، والإشعار بأن مضمونه مبني على حكمة دقيقة حرية بأن يتولى بيانها علام الغيوب عز وجل، والعدول عن خطاب الجميع كما في قوله تعالى:وَمَا أَصَـٰبَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } [الشورى: 30] للمبالغة في التحقيق بقطع احتمال سببية (معصية) بعضهم لعقوبة الآخرين، و { مَا } كما قال أبو البقاء: شرطية وأصاب بمعنى يصيب والمراد ـ بالحسنة والسيئة ـ هنا ما أريد بهما من قبل، أي ما أصابك أيها الإنسان من نعمة من النعم فهي من الله تعالى بالذات تفضلاً وإحساناً من غير استيجاب لها من قبلك كيف لا وكل ما يفعله العبد من الطاعات التي يرجى كونها ذريعة إلى إصابة نعمة ما فهي بحيث لا تكاد تكافىء نعمة الوجود، أو نعمة الإقدار على أدائها مثلاً فضلاً عن أن تستوجب نعمة أخرى، ولذا قال صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الشيخان من حديث أبـي هريرة: " لن يدخل أحداً عمله الجنة قيل: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله تعالى بفضل رحمته "

{ وَمَآ أَصَابَكَ مِن [سَيِّئَةٍ] } [أي] بلية ما من البلايا فهي بسبب اقتراف نفسك المعاصي والهفوات المقتضية لها، وإن كانت من حيث الإيجاد منتسبة إليه تعالى نازلة من عنده عقوبة وهذا كقوله تعالى:وَمَا أَصَـٰبَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } [الشورى: 30]، وأخرج الترمذي عن أبـي موسى قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يصيب عبداً نكبة فما فوقها ـ أو ما دونها إلا بذنب وما يعفو الله تعالى عنه أكثر " وأخرج ابن أبـي حاتم عن ابن عباس أنه قال في الآية: «ما كان من نكبة فبذنبك وأنا قدرت ذلك عليك»، وعن أبـي صالح مثله، وقال الزجاج: الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمقصود منه الأمة، وقيل: له عليه الصلاة والسلام لكن لا لبيان حاله بل لبيان حال الكفرة بطريق التصوير، ولعل العدول عن خطابهم لإظهار كمال السخط والغضب عليهم؛ والإشعار بأنهم لفرط جهلهم وبلادتهم بمعزل من استحقاق الخطاب لاسيما بمثل هذه الحكمة الأنيقة، ثم اعلم أنه لا حجة لنا ولا للمعتزلة في مسألة الخير والشر بهاتين الآيتين لأن إحداهما بظاهرها لنا، والأخرى لهم فلا بدّ من التأويل وهو مشترك الإلزام ولأن المراد بالحسنة والسيئة النعمة والبلية لا الطاعة والمعصية، والخلاف في الثاني، ولا تعارض بينهما أيضاً لظهور اختلاف جهتي النفي والإثبات، وقد أطنب الإمام الرازي في هذا المقام كل الإطناب بتعديد الأقوال والتراجيح، واختار تفسير الحسنة والسيئة بما يعم النعم والطاعات والمعاصي والبليات، وقال بعضهم: يمكن أن يقال: لما جاء قوله تعالى: / { وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ } بعد قوله سبحانه:

السابقالتالي
2 3