الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ فَمَالِ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً }

{ أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ } يحتمل أن يكون ابتداء كلام مسوق من قبله تعالى بطريق تلوين الخطاب وصرفه عن سيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم إلى ما ذكر أولاً اعتناءاً بإلزامهم إثر بيان حقارة الدنيا وفخامة الآخرة بواسطته صلى الله عليه وسلم فلا محل للجملة من الإعراب، ويحتمل أن يكون داخلاً في حيز القول المأمور به، فمحل الجملة النصب، وجعل غير واحد ما تقدم جواباً للجملة الأولى من قولهم، وهذا جواباً للثانية منه، فكأنه لما قالوا: { لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا ٱلْقِتَالَ }؟ أجيبوا ببيان الحكمة بأنه كتب عليكم ليكثر تمتعكم ويعظم نفعكم لأنه يوجب تمتع الآخرة، ولما قالوا:لَوْلا أَخَّرْتَنَا } [النساء: 77]؟! الخ أجيبوا بأنه: أينما تكونوا في السفر أو في الحضر يدرككم الموت لأن الأجل مقدر / فلا يمنع عنه عدم الخروج إلى القتال، وفي التعبير بالإدراك إشعار بأن القوم لشدة تباعدهم عن أسباب الموت وقرب وقت حلوله إليهم بممر الأنفاس والآنات كأنهم في الهرب منه وهو مجد في طلبهم لا يفتر نفساً واحداً في التوجه إليهم، وقرأ طلحة بن سليمان { يُدْرِككُّمُ } بالرفع، واختلف في تخريجه فقيل: إنه على حذف الفاء كما في قوله ـ على ما أنشده سيبويه ـ:
من يفعل الحسنات الله يشكرها   والشر بالشر عند الله (مثلان)
وظاهر كلام «الكشاف» الاكتفاء بتقدير الفاء، وقدر بعضهم مبتدأ معها أي فأنتم يدرككم، وقيل: هو مؤخر من تقديم، وجواب الشرط محذوف أي ـ يدرككم الموت أينما تكونوا يدرككم ـ واعترض بأن هذا إنما يحسن فيما إذا كان ما قبله طالباً له كما في قوله:
يا أقرع بن حابس يا أقرع   إنك إن (يصرع أخوك تصرع)
أو فيما إذا لم تكن الأداة اسم شرط، وأجيب بأن الشرط الأول: وإن نقل عن سيبويه إلا أنه نقل عنه أيضاً الإطلاق، والشرط الثاني: لم يعول عليه المحققون، وقيل: إن الرفع على توهم كون الشرط ماضياً فإنه حينئذ لا يجب ظهور الجزم في الجواب لأن الأداة لما لم يظهر أثرها في القريب لم يجب ظهوره في البعيد وما قيل عليه من أن كون الشرط ماضياً والجزاء مضارعاً إنما يحسن في كلمة ـ أن ـ لقلبها الماضي إلى معنى الاستقبال فلا يحسن ـ أينما كنتم يدرككم الموت ـ إلاعلى حكاية الماضي وقصد الاستحضار فيه نظر، نعم يرد عليه أن فيه تعسفاً إذ التوهم ـ كما قال ابن المنير ـ أن يكون ما يتوهم هو الأصل، أو مما كثر في الاستعمال حتى صار كالأصل، وما توهم هنا ليس كذلك، وقيل: إن { يُدْرِككُّمُ } كلام مبتدأ و { أَيْنَمَا تَكُونُواْ } متصل بـلاَ تُظْلَمُونَ } [النساء: 77]، واعترض كما قال الشهاب: بأنه ليس بمستقيم معنى وصناعة، أما الأول: فلأنه لا يناسب اتصاله بما قبله لأن { لاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً } المراد منه في الآخرة فلا يناسبه التعميم، وأما الثاني: فلأنه يلزم عليه عمل ما قبل اسم الشرط فيه وهو غير صحيح لصدارته، وأجيب عن الأول: بأنه لا مانع من تعميم: ولا تظلمون للدنيا والآخرة أو يكون المعنى لا ينقصون شيئاً من مدة الأجل المعلوم لا من الأجود وبه ينتظم الكلام، وعن الثاني: بأن المراد من الاتصال بما قبله ـ كما قال الحلبـي ـ والسفاقسي اتصاله به معنى لا عملاً على أن { أَيْنَمَا تَكُونُواْ } شرط جوابه محذوف تقديره: لا تظلمون وما قبله دليل الجواب، وأنت تعلم أن هذا التخريج وإن التزم الذب عنه بما ترى خلاف الظاهر المنساق إلى الذهن، وأولى التخريجات أنه على حذف الفاء وهو الذي اختاره المبرد، والقول بأن الحذف ضرورة في حيز المنع

السابقالتالي
2 3