الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَٰنِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهْلُهَا وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً }

{ وَمَا لَكُمْ } خطاب للمأمورين بالقتال على طريقة الالتفات مبالغة في التحريض والحث عليه وهو المقصود من الاستفهام، و { مَا } مبتدأ و { لَكُمْ } خبره، وقوله تعالى: { لاَ تُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } في موضع الحال والعامل فيها الاستقرار، أو الظرف لتضمنه معنى الفعل [والاستفهام للإنكار والنفي] أي أيّ شيء لكم غير مقاتلين والمراد لا عذر لكم في ترك المقاتلة { وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ } إما عطف على الاسم الجليل أي في سبيل المستضعفين وهو تخليصهم عن الأسر وصونهم عن العدو ـ وهو المروي عن ابن شهاب ـ واستبعد بأن تخليصهم سبيل الله تعالى لا سبيلهم، وفيه أنه وإن كان سبيل الله عز اسمه له نوع اختصاص بهم فلا مانع من إضافته إليهم؛ واحتمال أن يراد بالمقاتلة في سبيلهم ـ المقاتلة في فتح طريق مكة إلى المدينة ودفع سد المشركين إياه ليتهيأ خروج المستضعفين ـ مستضعف جداً، وإما عطف على (سبيل) بحذف مضاف، وإليه ذهب المبرد أي وفي خلاص المستضعفين، ويجوز نصبه بتقدير أعني أو أخص فإن سبيل الله تعالى يعم أبواب الخير وتخليص المستضعفين من أيدي المشركين من أعظمها وأخصها، ومعنى المستضعفين الذين طلب المشركون ضعفهم وذلهم أو الضعفاء منهم والسين للمبالغة.

{ مِنَ ٱلرّجَالِ وَٱلنّسَاء وَٱلْوِلْدٰنِ } بيان للمستضعفين وهم المسلمون الذين / بقوا بمكة لمنع المشركين لهم من الخروج، أو ضعفهم عن الهجرة، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كنت أنا وأمي من المستضعفين، وقد ذكر أن منهم سلمة بن هشام، والوليد بن الوليد وأبا جندل بن سهيل، وإنما ذكر الولدان تكميلاً للاستعطاف والتنبيه على تناهي ظلم المشركين، والإيذان بإجابة الدعاء الآتي واقتراب زمان الخلاص وفي ذلك مبالغة في الحث على القتال. ومن هنا يعلم أن الآية لا تصلح دليلاً على صحة إسلام الصبـي بناءاً على أنه لولا ذلك لما وجب تخليصهم على أن في انحصار وجوب التخليص في المسلم نظراً لأن صبـي المسلم يتوقع إسلامه فلا يبعد وجوب تخليصه لينال مرتبة السعداء، وقيل: المراد ـ بالولدان العبيد والإماء وهو على الأول: جمع وليد ووليدة بمعنى صبـي وصبية وقيل: إنه جمع ولد كورل وورلال، وعلى الثاني: كذلك أيضاً إلا أن الوليد والوليدة بمعنى العبد والجارية. وفي «الصحاح»: الوليد الصبـي والعبد والجمع ولدان، والوليدة الصبية والأمة والجمع ولائد، فالتعبير ـ بالولدان ـ على طريق التغليب ليشمل الذكور والإناث.

{ ٱلَّذِينَ } في محل جر على أنه صفة للمستضعفين، أو لما في حيز البيان، وجوز أن يكون نصباً بإضمار فعل أي أعني أو أخص الذين. { يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّـٰلِمِ أَهْلُهَا } بالشرك الذي هو ظلم عظيم، وبأذية المؤمنين ومنعهم عن الهجرة والوصف صفة قرية وتذكيره لتذكير ما أسند إليه فإن اسم الفاعل والمفعول إذا أجري على غير من هو له فتذكيره وتأنيثه على حسب الاسم الظاهر الذي عمل فيه، ولم ينسب الظلم إليها مجازاً كما في قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4