الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً }

{ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ } بالانقياد لأمره ونهيه { وَٱلرَّسُولَ } المبلغ ما أوحي إليه منه باتباع شريعته والرضا بحكمه، والكلام مستأنف فيه فضل ترغيب في الطاعة ومزيد تشويق إليها ببيان أن نتيجتها أقصى ما تنتهي إليه همم الأمم، وأرفع ما تمتد إليه أعناق أمانيهم، وتشرأب إليه أعين عزائمهم من مجاورة أعظم الخلائق مقداراً وأرفعهم مناراً، ومتضمن لتفسير ما أبهم وتفصيل ما أجمل في جواب الشرطية السابقة و { مَنْ } شرطية وإفراد ضمير { يُطِعِ } مراعاة للفظ، والجمع في قوله سبحانه: { فَأُوْلَـئِكَ } مراعاة للمعنى أي فالمطيعون الذين علت درجتهم وبعدت منزلتهم شرفاً وفضلاً.

{ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم } بما تقصر العبارة عن تفصيله وبيانه { مّنَ ٱلنَّبِيّيْنَ } بيان للمنعم عليهم فهو حال إما من { ٱلَّذِينَ } أي مقارنيهم حال كونهم من النبيين وإما من ضميره والتعرض لمعية الأنبياء دون نبينا صلى الله عليه وسلم خاصة مع أن الكلام في بيان حكم طاعته عليه الصلاة والسلام لجريان ذكرهم في سبب النزول مع الإشارة إلى أن طاعته متضمنة لطاعتهم، أخرج الطبراني وأبو نعيم والضياء المقدسي وحسنه قال: «جاء رجل إلى النبـي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنك لأحب إليّ من نفسي وإنك لأحب إليّ من ولدي وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك فلم يرد عليه النبـي صلى الله عليه وسلم شيئاً حتى نزل جبريل بهذه الآية { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ } » الخ، وروي مثله عن ابن عباس. وقال الكلبـي: إن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان شديد الحب له عليه الصلاة والسلام قليل الصبر عنه، وقد نحل جسمه وتغير لونه خوف عدم رؤيته صلى الله عليه وسلم بعد الموت فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية، وعن مسروق «إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: ما ينبغي لنا أن نفارقك في الدنيا فإنك إذا فارقتنا رفعت فوقنا فنزلت» وبدأ بذكر النبيين لعلو درجتهم وارتفاعهم على من عداهم، وقد نقل الشعراني عن مولانا الشيخ الأكبر قدس سره أنه قال: «فتح لي قدر خرم إبرة من مقام النبوة تجلياً لا دخولاً فكدت أحترق» ثم عطف (عليهم) على سبيل التدلي قوله سبحانه:

{ وَٱلصَّـدِّيِْقِيْنَ وَٱلشُّهَدَاءِ وَٱلصَّـٰلِحِينَ } فالمنازل أربعة بعضها دون بعض: الأول: منازل الأنبياء وهم الذين تمدهم قوة / إلهية وتصحبهم نفس في أعلى مراتب القدسية ومثلهم كمن يرى الشيء عياناً من قريب، ولذلك قال تعالى في صفة نبينا صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2 3 4 5 6