الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ ٱقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ أَوِ ٱخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُمْ مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً }

{ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ } أي فرضنا وأوجبنا { أَنِ ٱقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ } أي كما أمرنا بني إسرائيل وتفسير ذلك بالتعرض له بالجهاد بعيد { أَوِ ٱخْرُجُواْ مِن دِيَـٰرِكُمْ } كما أمرنا بني إسرائيل أيضاً بالخروج من مصر. والمراد إنما كتبنا عليهم إطاعة الرسول والانقياد لحكمه والرضا به ولو كتبنا عليهم القتل والخروج من الديار كما كتبنا ذلك على غيرهم { مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مّنْهُمْ } وهم المخلصون من المؤمنين كأبـي بكر رضي الله تعالى عنه. فقد أخرج ابن أبـي حاتم عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال: " لما نزلت هذه الآية قال أبو بكر يا رسول الله لو أمرتني أن أقتل نفسي لفعلت فقال: صدقت يا أبا بكر " وكعبد الله بن رواحة، فقد أخرج عن شريح بن عبيد " أنها لما نزلت أشار صلى الله عليه وسلم إليه بيده فقال: لو أن الله تعالى كتب ذلك لكان هذا من أولئك القليل " وكابن أم عبد، فقد أخرج عن سفيان " أن النبـي صلى الله عليه وسلم قال فيه لو نزلت كان منهم " وأخرج عن الحسن قال: «لما نزلت هذه الآية قال أناس من الصحابة: لو فعل ربنا لفعلنا فبلغ ذلك النبـي صلى الله عليه وسلم فقال: " للإيمان أثبت في قلوب أهله من الجبال الرواسي " وروي أن عمر رضي الله تعالى عنه قال: «والله لو أمرنا لفعلنا فالحمد لله الذي عافانا فبلغ ذلك النبـي صلى الله عليه وسلم فقال: " إن من أمتي لرجالا الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي "

وفي بعض الآثار أن الزبير وصاحبه لما خرجا بعد الحكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم مرا على المقداد فقال: لمن القضاء؟ فقال الأنصاري: لابن عمته ولوى شدقه ففطن يهودي كان مع المقداد فقال: قاتل الله تعالى هؤلاء يشهدون أنه رسول الله ويتهمونه في قضاء يقضى بينهم وأيم الله تعالى لقد أذنبنا ذنباً مرة في حياة موسى عليه السلام فدعانا إلى التوبة منه، وقال: اقتلوا أنفسكم ففعلنا فبلغ قتلانا سبعين ألفاً في طاعة ربنا حتى رضي عنا؛ فقال ثابت بن قيس: أما والله إن الله تعالى ليعلم مني الصدق لو أمرني محمد صلى الله عليه وسلم أن أقتل نفسي لقتلتها، وروي أن قائل ذلك هو وابن مسعود وعمار بن ياسر، وأنه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم فقال: " والذي نفسي بيده إن من أمتي رجالاً الإيمان في قلوبهم أثبت من الجبال الرواسي وإن الآية نزلت فيهم " ، وفي رواية البغوي / الاقتصار على ثابت بن قيس، وعلى هذا الأثر وجه مناسبة ذكر هذه الآية مما لا يخفى، وكأنه لذلك قال صاحب «الكشاف» في معناها: «لو أوجبنا عليهم مثل ما أوجبنا على بني إسرائيل من قتلهم أنفسهم، أو خروجهم من ديارهم حين استتيبوا من عبادة العجل ما فعلوه إلا قليل»، وقال بعضهم: إن المراد أننا قد حففنا عليهم حيث اكتفينا منهم في توبتهم بتحكيمك والتسليم له ولو جعلنا توبتهم كتوبة بني إسرائيل لم يتوبوا، والذي يفهم من فحوى الأخبار المعول عليها أن هذه الكتابة لا تعلق لها بالاستتابة، ولعل المراد من ذكر ذلك مجرد التنبيه على قصور كثير من الناس ووهن إسلامهم إثر بيان أنه لا يتم إيمانهم إلا بأن يسلموا حق التسليم، وظاهر ما ذكره الزمخشري من أن بني إسرائيل أمروا بالخروج حين استتيبوا مما لا يكاد يصح إذا أريد بالديار الديار المصرية لأن الاستتابة من عبادة العجل إنما كانت بعد الخروج منها وبعد انفلاق البحر ـ وهذا مما لا امتراء فيه ـ على أنا لا نسلم أنهم أمروا بالخروج استتابة في وقت من الأوقات، وحمل الذلة على الخروج من الديار لأن ذل الغربة مثل مضروب في قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4