الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَانَاتِ إِلَىۤ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً }

{ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَـٰنَـٰتِ إِلَى أَهْلِهَا } أخرج ابن مردويه من طريق الكلبـي عن أبـي صالح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: " لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة دعا عثمان بن أبـي طلحة فلما أتاه قال: أرني المفتاح فأتاه به فلما بسط يده إليه قام العباس فقال: يا رسول الله بأبـي أنت وأمي اجعله لي مع السقاية فكف عثمان يده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرني المفتاح يا عثمان فبسط يده يعطيه، فقال العباس مثل كلمته الأولى فكف عثمان يده، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عثمان إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فهاتني المفتاح، فقال: هاك بأمانة الله تعالى فقام ففتح الكعبة فوجد فيها تمثال إبراهيم عليه السلام معه قداح يستقسم بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما للمشركين قاتلهم الله تعالى وما شأن إبراهيم عليه السلام وشأن القداح وأزال ذلك، وأخرج مقام إبراهيم عليه السلام وكان في الكعبة؛ ثم قال: أيها الناس هذه القبلة، ثم خرج فطاف بالبيت، ثم نزل عليه جبريل عليه السلام ـ فيما ذكر لنا ـ برد المفتاح فدعا عثمان بن أبـي طلحة فأعطاه المفتاح ثم قال: { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ } » الآية. "

وفي رواية الطبراني " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين أعطى المفتاح: خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم " يعني سدانة الكعبة، وفي «تفسير ابن كثير» «أن عثمان دفع المفتاح بعد ذلك إلى أخيه شيبة بن أبـي طلحة فهو في يد ولده إلى اليوم»، وذكر الثعلبـي والبغوي والواحدي «أن عثمان امتنع عن إعطاء المفتاح للنبـي صلى الله عليه وسلم وقال: لو علمت أنه رسول الله لم أمنعه فلوى علي كرم الله تعالى وجهه يده وأخذه منه فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة وصلى ركعتين فلما خرج سأله العباس أن يجمع له السدانة والسقاية فنزلت فأمر علياً كرم الله تعالى وجهه أن يرد ويعتذر إليه وصار ذلك سبباً لإسلامه ونزول الوحي بأن السدانة في أولاده أبداً» وما ذكرناه أولى بالاعتبار. أما أولاً: فلما قال الأشموني: إن المعروف عند أهل السير أن عثمان بن طلحة أسلم قبل ذلك في هدنة الحديبية مع خالد بن الوليد وعمرو بن العاص ـ كما ذكره ابن إسحق وغيره وجزم به ابن عبد البر في «الاستيعاب». والنووي في «تهذيبه». والذهبـي وغيرهم، وأما ثانياً: فلما فيه من المخالفة لما ذكره ابن كثير، وقد نصوا على أنه هو الصحيح، وأما ثالثاً: فلأن المفتاح على هذا لا يعد أمانة لأن علياً كرم الله تعالى وجهه أخذه منه قهراً وما هذا شأنه هو الغصب لا الأمانة، والقول ـ بأن تسمية ذلك أمانة لأن الله تعالى لم يرد نزعه منه، أو للإشارة إلى أن الغاصب يجب أن يكون كالمؤتمن في قصد الرد، أو إلى أن علياً كرم الله تعالى وجهه لما قصد بأخذه الخير وكان أيضاً بأمر النبـي صلى الله عليه وسلم جعل كالمؤتمن في أنه لا ذنب عليه لا يخلو عن بعد، وأياً مّا كان فالخطاب يعم كل أحد ـ كما أن الأمانات، وهي جمع أمانة مصدر سمي به المفعول ـ تعم الحقوق المتعلقة بذممهم من حقوق الله تعالى وحقوق العباد سواء كانت فعلية أو قولية أو اعتقادية، وعموم الحكم لا ينافي خصوص السبب، وقد روي ما يدل على العموم عن ابن عباس.

السابقالتالي
2 3