الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَٰماً وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا وَٱكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً }

{ وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَاء أَمْوٰلَكُمُ } رجوع إلى بيان بقية الأحكام المتعلقة بأموال اليتامى وتفصيل ما أجمل فيما سبق من شرط إيتائها [ووقته] وكيفيته إثر بيان [بعض] الأحكام المتعلقة بالأنفس أعني النكاح، وبيان بعض الحقوق المتعلقة بالأجنبيات من حيث النفس ومن حيث المال استطراداً إذ الخطاب ـ كما يدل عليه كلام عكرمة ـ للأولياء، وصرح هو وابن جبير بأن المراد من السفهاء اليتامى، ومن أموالكم أموالهم وإنما أضيفت إلى ضمير الأولياء المخاطبين ـ تنزيلاً لاختصاصها بأصحابها منزلة اختصاصها بهم فكأن أموالهم عين أموالهم لما بينهم وبينهم من الاتحاد الجنسي والنسبـي ـ مبالغة في حملهم على المحافظة عليها، ونظير ذلك قوله تعالى:وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ } [النساء: 29] فإن المراد لا يقتل بعضكم بعضاً إلا أنه عبر عن نوعهم بأنفسهم مبالغة في الزجر عن القتل حتى كأن قتلهم قتل أنفسهم، وقد أيد ذلك بما دل عليه قوله سبحانه: { ٱلَّتِى جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَـٰماً } حيث عبر عن جعلها مناطاً لمعاش أصحابها بجعلها مناطاً لمعاش الأولياء، ومفعول { جَعَلَ } الأول محذوف وهو ضمير الأموال، والمراد من القيام ما به القيام والتعيش، والتعبير بذلك زيادة في المبالغة وهو المفعول الثاني لجعل، وقد جوز أن يكون المحذوف وحده مفعولاً، وهذا حالاً منه؛ وقيل: إنما أضيفت الأموال إلى ضمير الأولياء نظراً إلى كونها تحت ولايتهم. واعترض بأنه وإن كان صحيحاً في نفسه لأن الإضافة لأدنى ملابسة ثابتة في كلامهم كما في قوله:
إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرة   سهيل أذاعت غزلها في القرائب
إلا أنه غير مصحح لاتصاف الأموال بما بعدها من الصفة، وقيل: إنما أضيفت إلى ضميرهم لأن المراد بالمال جنسه مما يتعيش الناس به ونسبته إلى كل أحد كنسبته إلى الآخر لعموم النسبة والمخصوص بواحد دون واحد شخص المال فجاز أن ينسب حقيقة إلى الأولياء كما ينسب إلى الملاك، ويؤيد ذلك وصفه بما لا يختص بمال دون مال، واعترض بأن ذلك بمعزل عن حمل الأولياء على المحافظة المذكورة كيف لا والوحدة الجنسية المالية ليست مختصة بما بين أموال اليتامى وأموال الأولياء بل هي متحققة بين أموالهم وأموال الأجانب فإذاً لا وجه لاعتبارها أصلاً، وروي أنه سئل الصادق رضي الله تعالى عنه عن هذه الإضافة، وقيل له: كيف كانت أموالهم أموالنا؟ فقال: إذ كنتم وارثين لهم، وفيه احتمالان: أحدهما: أنه إشارة إلى ما ذكرناه أولاً في توجيه الإضافة، وثانيهما: أن ذلك من مجاز الأول، ويرد عليه حينئذ بعد القول بكذب نسبته إلى الصادق رضي الله تعالى عنه أن الأول غير متحقق بل العادة في الغالب على خلافه، والحمل على التفاؤل مما يتشاءم منه الذوق السليم.

السابقالتالي
2 3 4