الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَٰلَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَٰطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً }

{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوٰلَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَـٰطِلِ } بيان لبعض المحرمات المتعلقة بالأموال والأنفس إثر بيان تحريم النساء على غير الوجوه المشروعة، وفيه إشارة إلى كمال العناية بالحكم المذكور، والمراد من الأكل سائر التصرفات، وعبر به لأنه معظم المنافع، والمعنى لا يأكل بعضكم أموال بعض، والمراد بالباطل ما يخالف الشرع كالربا والقمار والبخس والظلم ـ قاله السدي ـ وهو المروي عن الباقر رضي الله تعالى عنه، وعن الحسن هو ما كان بغير استحقاق من طريق الأعواض. وأخرج عنه وعن عكرمة ابنُ جرير أنهما قالا: كان الرجل يتحرج أن يأكل عند أحد من الناس بهذه الآية فنسخ ذلك بالآية التي في سورة النور [61]وَلاَ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ } الآية، والقول الأول أقوى لأن ما أكل على وجه مكارم الأخلاق لا يكون أكلاً بالباطل، وقد أخرج ابن أبـي حاتم والطبراني بسند صحيح عن ابن مسعود أنه قال في الآية: إنها محكمة ما نسخت ولا تنسخ إلى يوم القيامة، و { بَيْنَكُمْ } نصب على الظرفية، أو الحالية من (أموالكم) { إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَـٰرَةً عَن تَرَاضٍ مّنْكُمْ } استثناء منقطع، ونقل أبو البقاء القول بالاتصال وضعفه، و { عَنْ } متعلقة بمحذوف وقع صفة لتجارة، و { مّنكُمْ } صفة { تَرَاضٍ } أي إلا أن تكون التجارة تجارة صادرة { عَن تَرَاضٍ } كائن { مّنكُمْ } أو إلا أن تكون الأموال أموال تجارة، والنصب قراءة أهل الكوفة، وقرأ الباقون بالرفع على أن ـ كان ـ تامة.

وحاصل المعنى لا تقصدوا أكل الأموال بالباطل لكن اقصدوا كون أي وقوع تجارة عن تراض أو لا تأكلوا ذلك كذلك فإنه منهي عنه لكن وجود تجارة عن تراض غير منهي عنه، وتخصيصها بالذكر من بين سائر أسباب الملك لكونها أغلب وقوعاً وأوفق لذوي المروءات، وقد أخرج الأصبهاني عن معاذ بن جبل قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أطيب الكسب كسب التجار الذين إذا حدثوا لم يكذبوا وإذا وعدوا لم يخلفوا وإذا ائتمنوا لم يخونوا وإذا اشتروا لم يذموا وإذا باعوا لم يمدحوا وإذا كان عليهم لم يمطلوا وإذا كان لهم لم يعسروا " وأخرج سعيد بن منصور عن نعيم بن عبد الرحمن الأزدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تسعة أعشار الرزق في التجارة والعشر في المواشي "

وجوز أن يراد بها انتقال المال من الغير بطريق شرعي سواء كان تجارة أو إرثاً أو هبة أو غير ذلك من / استعمال الخاص وإرادة العام، وقيل: المقصود بالنهي المنع عن صرف المال فيما لا يرضاه الله تعالى، وبالتجارة صرفه فيما يرضاه وهذا أبعد مما قبله، والمراد بالتراضي مراضاة المتبايعين بما تعاقدا عليه في حال المبايعة وقت الإيجاب والقبول عندنا وعند الإمام مالك، وعند الشافعي حالة الافتراق عن مجلس العقد، وقيل: التراضي التخيير بعد البيع، أخرج عبد بن حميد عن أبـي زرعة أنه باع فرساً له فقال لصاحبه: اختر فخيره ثلاثاً، ثم قال له: خيرني فخيره ثلاثاً، ثم قال: سمعت أبا هريرة رضي الله تعالى عنه يقول: هذا البيع عن تراض.

السابقالتالي
2