الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَٰقاً غَلِيظاً }

{ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ } إنكار بعد إنكار، وقد بولغ فيه على ما تقدم فيكَيْفَ تَكْفُرُونَ } [البقرة: 28]، وقيل: تعجيب منه سبحانه وتعالى أي إن أخذكم له لعجيب { وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } كناية عن الجماع على ما روي عن ابن عباس ومجاهد والسدي. وقيل: المراد به الخلوة الصحيحة وإن لم يجامع واختاره الفراء ـ وبه قال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه ـ وهو أحد قولين للإمامية، وفي «تفسير الكلبـي» عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ـ الإفضاء ـ الحصول معها في لحاف واحد جامعها أو لم يجامعها، ورجح القول الأول بأن الكلام كناية بلا شبهة، والعرب إنما تستعملها فيما يستحي من ذكره كالجماع، والخلوة لا يستحى من ذكرها فلا تحتاج إلى الكناية، وأيضاً في تعدية الإفضاء بإلى ما يدل على معنى الوصول والاتصال، وذلك أنسب بالجماع، ومن ذهب إلى الثاني قال: إنما سميت الخلوة إفضاءاً لوصول الرجل بها إلى مكان الوطء ولا يسلم أن الخلوة لا يستحى من ذكرها، والجملة حال من فاعل { تَأْخُذُونَهُ } مفيدة لتأكيد النكير وتقرير الاستبعاد أي على أي حال أو في أي [حال]تأخذونه، والحال أنه قد وقع منكم ما وقع { و } قد { أَخَذْنَ مِنكُم مّيثَـٰقاً } أي عهداً { غَلِيظاً } أي شديداً قال قتادة: هو ما أخذ الله تعالى للنساء على الرجالفَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَـٰنٍ } [البقرة: 229] ثم قال: وقد كان ذلك يؤخذ عند عقد النكاح فيقال: الله عليك لتمسكن بمعروف أو لتسرحن بإحسان، وروي ذلك عن الضحاك ويحيـى بن أبـي كثير وكثير، وعن مجاهد ـ الميثاق الغليظ ـ كلمة النكاح التي استحل بها فروجهن.

واستدل بالآية من منع الخلع مطلقاً وقال: إنها ناسخة لآية البقرة، وقال آخر: إنها منسوخة بها، وروي ذلك عن أبـي زيد وقال جماعة: لا ناسخة ولا منسوخة، والحكم الذي فيها هو الأخذ بغير طيب نفس، واستدل بها ـ كما قال ابن الفرس ـ قوم على جواز المغالاة في المهور. وأخرج أبو يعلى عن مسروق أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه نهى أن يزاد في الصداق على أربعمائة درهم فاعترضته امرأة من قريش فقالت: أما سمعت ما أنزل الله تعالىوَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً } [النساء: 20] فقال: اللهم غفراً كل الناس أفقه من عمر ثم رجع فركب المنبر، فقال: إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب، وطعن الشيعة بهذا الخبر على عمر رضي الله تعالى عنه لجهله بهذه المسألة وإلزام امرأة له وقالوا: إن الجهل مناف للإمامة، وأجيب بأن الآية ليست نصاً في جواز إيتاء القنطار فإنها على حدّ قولك: إن جاءك زيد وقد قتل أخاك فاعف عنه، وهو لا يدل على جواز قتل الأخ سلمنا أنها تدل على جواز إيتائه إلا أنا لا نسلم جواز إيتائه مهراً بل يحتمل أن يكون المراد بذلك إعطاء الحلي وغيره لا بطريق المهر / بل بطريق الهبة، والزوج لا يصح له الرجوع عن هبته لزوجته خصوصاً إذا أوحشها بالفراق، وقوله تعالى: { وَقَدْ أَفْضَىٰ } لا يعين كون المؤتى مهراً سلمنا كونه مهراً لكن لا نسلم كون عدم المغالاة أفضل منه.

السابقالتالي
2