الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ إِنَّمَا ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ ٱنتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا ٱللَّهُ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً }

{ يَٰأَهْلَِ ٱلْكِتَـٰبِ } تجريد للخطاب وتخصيص له بالنصارى زجراً لهم عما هم عليه من الضلال البعيد، وإلى ذلك ذهب أبو علي الجبائي وأبو مسلم وجماعة من المفسرين، وعن الحسن أنه خطاب لهم ولليهود لأن الغلو أي مجاوزة الحد والإفراط المنهي عنه في قوله تعالى: { لاَ تَغْلُواْ فِى دِينِكُمْ } وقع منهم جميعاً، أما النصارى فقال بعضهم: عيسى عليه السلام ابن الله عز وجل، وبعضهم أنه الله سبحانه، وآخرون ثالث ثلاثة وأما اليهود فقالوا: إنه عليه السلام ولد لغير رشده، ورجح ما عليه الجماعة بأن قول اليهود قد نعى فيما سبق وبأنه أوفق بما بعد { وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ } أي لا تذكروا ولا تعتقدوا إلا القول الحق دون القول المتضمن لدعوى الاتحاد والحلول واتخاذ الصاحبة والولد والاستثناء مفرغ، وهو متصل عند الأكثرين. وادعى بعض أن المراد من الحق هنا تنزيهه تعالى عن الصاحبة والولد، والأشبه بالإستثناء الانقطاع لأن التنزيه لا يكون مقولاً عليه بل له وفيه لأن معنى قال عليه افترى وهو مخالف لما عليه الأكثر في الاستثناء المفرغ فافهم.

{ إِنَّمَا ٱلْمَسِيحُ } بالتخفيف، وقد مر معناه، وقرىء المسيح بكسر الميم وتشديد السين كالسكيت وهو مبتدأ، وقوله تعالى: { عِيسَى } بدل منه أو عطف بيان له ـ كما قال أبو البقاء وغيره ـ وقوله تعالى: { ٱبْنُ مَرْيَمَ } صفة له مفيدة بطلان ما زعموه فيه من بنوته عليه السلام له عز وجل، وقوله سبحانه: { رَسُولَ ٱللَّهِ } خبر المبتدأ والجملة مستأنفة مسوقة لتعليل النهي عن القول الباطل المستلزم للأمر بضده أي أنه عليه السلام مقصور على رتبة الرسالة لا يتخطاها إلى ما تقولون { وَكَلِمَتُهُ } عطف على { رَسُولَ ٱللَّهِ } ومعنى كونه (كلمة) أنه حصل بكلمة كن من غير مادة معتادة، وإلى ذلك ذهب الحسن وقتادة.

وقال الغزالي قدس سره: لكل مولود سبب قريب وبعيد، فالأول: المني والثاني: قول كن، ولما دل الدليل على عدم القريب في حق عيسى عليه السلام أضافه إلى البعيد، وهو قول كن إشارة إلى انتفاء القريب، وأوضحه بقوله سبحانه: { أَلْقَـٰهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ } أي أوصلها إليها وحصلها فيها، فجعله كالمني الذي يلقى في الرحم فهو استعارة، وقيل: معناه أنه يهتدي به كما يهتدي بكلام الله تعالى، وروي ذلك عن أبـي علي الجبائي، وقيل: معناه بشارة الله تعالى / التي بشر بها مريم عليها السلام على لسان الملائكة كما قال سبحانه:إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلَٰـئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشّرُكِ بِكَلِمَةٍ } [آل عمران: 45] وجملة { أَلْقَـٰهَا } حال على ما قيل: من الضمير المجرور في { كلمته } بتقدير قد والعامل فيها معنى الإضافة، والتقدير ـ وكلمته ملقياً إياها ـ وقيل: حال من ضميره عليه السلام المستكن فيما دل عليه { وَكَلِمَتُهُ } من معنى المشتق الذي هو العامل فيها، وقيل: حال من فاعل كان مقدرة مع إذ المتعلقة بالكلمة باعتبار أن المراد بها المكون، والتقدير إذ كان ألقاها إلى مريم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد