الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ ٱللَّهِ وَقَتْلِهِمُ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً }

{ فَبِمَا نَقْضِهِم مّيثَـٰقَهُمْ } في الكلام مقدر والجار والمجرور متعلق بمقدر أيضاً، والباء للسببية و (ما) مزيد لتوكيدها، والإشارة إلى أنها سببية قوية، وقد يفيد ذلك الحصر بمعونة المقام كما يفيده التقديم على العامل إن التزم هنا، وجوز أن تكون ـ ما ـ نكرة تامة، ويكون نقضهم بدلاً منهما أي فخالفوا ونقضوا ففعلنا بهم ما فعلنا بنقضهم، وإن شئت أخرت العامل. واختار أبو حيان عليه الرحمة تقدير لعناهم مؤخراً لوروده مصرحاً به كذلك في قوله تعالى:فَبِمَا نَقْضِهِم مّيثَـٰقَهُمْ لَعنَّـٰهُمْ } [المائدة: 13] وجوز غير واحد تعلق الجار ـ بحرمنا ـ الآتي على أن قوله تعالى:فَبِظُلْمٍ } [النساء: 160] بدل من قوله سبحانه: { فَبِمَا نَقْضِهِم } ، وإليه ذهب الزجاج، وتعقبه في «البحر» بأن فيه بعداً لكثرة الفواصل بين البدل والمبدل منه، ولأن المعطوف على السبب سبب فيلزم تأخر بعض أجزاء السبب الذي للتحريم عن التحريم، فلا يمكن أن يكون جزء سبب أو سبباً إلا بتأويل بعيد، وبيان ذلك أن قولهم ـ على مريم بهتاناً عظيماً ـ وقولهمإِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ } [النساء: 157] متأخر في الزمان عن تحريم الطيبات عليهم، واستحسنه السفاقسي، ثم قال: وقد يتكلف لحله بأن دوام التحريم في كل زمن كابتدائه، وفيه بحث، وجعل العلامة الثاني الفاء في { فَبِظُلْمٍ } على هذا التقدير تكراراً للفاء في { فَبِمَا نَقْضِهِم } عطفاً علىأَخَذْنَا مِنْهُمْ } [النساء: 154]، أو جزاء شرط مقدر، واستبعده أيضاً من وجهين: لفظي ومعنوي، وبين الأول بطول الفصل وبكونه من إبدال الجار والمجرور مع حرف العطف، أو الجزاء مع القطع بأن المعمول هو الجار والمجرور فقط، والثاني: بدلالته على أن تحريم بعض الطيبات مسبب عن مثل هذه الجرائم العظيمة ومترتب عليه، ثم قال: ولو جعلت الفاء للعطف على { فَبِمَا نَقْضِهِم } كما في قولك: بزيد وبحسنه، أو فبحسنه أو ثم حسنه افتتنت لم يحتج إلى جعله بدلاً، وجوز أبو البقاء وغيره التعلق بمحذوف دل عليه قوله تعالى: { بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } ورد بأن ذلك لا يصلح مفسراً ولا قرينة للمحذوف، أما الأول: فلتعلقه بكلام آخر لأنه رد وإنكار لقولهم { قُلُوبُنَا غُلْفٌ } ، وأما الثاني: فلأنه استطراد يتم الكلام دونه؛ وكونه قرينة لما هو عمدة في الكلام يوجب أن لا يتم دونه. والحاصل أنه لا بد للقرينة من التعلق المعنوي بسابقتها حتى تصلح لذلك، ومنه يعلم أنه لا مورد للنظر بأن الطبعين / متوافقان في العروض، أحدهما بالكفر، والآخر بالنقض، وقيل: هو متعلق بلا يؤمنون، والفاء زائدة، وقيل: بما دل عليه ولا يخفى ردّ ذلك.

{ وَكُفْرِهِم بَـئَايَـٰتِ ٱللَّهِ } أي حججه الدالة على صدق أنبيائه عليهم الصلاة والسلام والقرآن، أو ما في كتابهم لتحريفه وإنكاره وعدم العمل به.

السابقالتالي
2