الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللاَّتِي يَأْتِينَ ٱلْفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَٱسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي ٱلْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ ٱلْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً }

{ وَٱللاَّتِي يَأْتِينَ ٱلْفَـٰحِشَةَ مِن نّسَائِكُمْ } شروع في بيان بعض الأحكام المتعلقة بالرجال والنساء إثر بيان أحكام المواريث، و { وَٱللاَّتِي } جمع التي على غير قياس، وقيل: هي صيغة موضوعة للجمع، وموضعها رفع على الابتداء، والفاحشة ما اشتد قبحه، واستعملت كثيراً في الزنا لأنه من أقبح القبائح، وهو المراد هنا على الصحيح، والإتيان في الأصل المجيء، وفي «الصحاح» يقال: أتيته أتياً قال الشاعر:
فاختر لنفسك قبل أتى العسكر   
وأتوته أتوة لغة فيه، ومنه قول الهذلي:
كنت إذا أتوته من غيب   
وفي «القاموس» أتوته أتوة وأتيته أتياً وإتياناً وإتيانه بكسرهما، ومأتاة وأتيا كعتى، ويكسر جئته، وقد يعبر به كالمجيء والرهق والغشي عن الفعل، وشاع ذلك حتى صار حقيقة عرفية، وهو المراد هنا فالمعنى يفعلن الزنا أي يزنين، والتعبير بذلك لمزيد التهجين، وقرأ ابن مسعود { يَأْتِينَ } ـ فالإتيان على أصله المشهور، و { مِنْ } متعلقة بمحذوف وقع حالاً من فاعل { يَأْتِينَ } والمراد من النساء ـ كما قال السدي وأخرجه عنه ابن جرير ـ النساء اللاتي قد أنكحن وأحصن، ومثله عن ابن جبير { فَٱسْتَشْهِدُواْ } أي فاطلبوا أن يشهد { عَلَيْهِنَّ } بإتيانهن الفاحشة { أَرْبَعةً مّنْكُمْ } أي أربعة من رجال المؤمنين وأحرارهم قال الزهري: مضت السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتين بعده أن لا تقبل شهادة النساء في الحدود، واشترط الأربعة في الزنا تغليظاً على المدعي وستراً على العباد، وقيل: ليقوم نصاب الشهادة كاملاً على كل واحد من الزانيين كسائر الحقوق ولا يخفى ضعفه، والجملة خبر المبتدأ والفاء مزيدة فيه لتضمن معنى الشرط، وجاز الإخبار بذلك لأن / الكلام صار في حكم الشرط حيث وصلت اللاتي بالفعل ـ قاله أبو البقاء ـ وذكر أنه إذا كان كذلك لم يحسن النصب على الاشتغال لأن تقدير الفعل قبل أداة الشرط لا يجوز، وتقديره بعد الصلة يحتاج إلى إضمار فعل غير فاستشهدوا لأنه لا يصح أن يعمل النصب في { ٱللاَّتِى } ، وذلك لا يحتاج إليه مع صحة الابتداء وأجاز قوم النصب بفعل محذوف تقديره اقصدوا اللاتي أو تعمدوا، وقيل: الخبر محذوف والتقدير فيما يتلى عليكم حكم اللاتي، فالجار والمجرور هو الخبر وحكم هو المبتدأ فحذفا لدلالة فاستشهدوا لأنه الحكم المتلو عليهم، والخطاب قيل: للحكام، وقيل: للأزواج.

{ فَإِن شَهِدُواْ } عليهن بالإتيان. { فَأَمْسِكُوهُنَّ } أي فاحبسوهن عقوبة لهن { فِى ٱلْبُيُوتِ } واجعلوها سجناً عليهن { حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ ٱلْمَوْتُ } المراد بالتوفي أصل معناه أي الاستيفاء وهو القبض تقول: توفيت مالي على فلان واستوفيته إذا قبضته. وإسناده إلى الموت باعتبار تشبيهه بشخص يفعل ذلك فهناك استعارة بالكناية والكلام على حذف مضاف، والمعنى حتى يقبض أرواحهن الموت ولا يجوز أن يراد من التوفي معناه المشهور إذ يصير الكلام بمنزلة حتى يميتهن الموت ولا معنى له إلا أن يقدر مضاف يسند إليه الفعل أي ملائكة الموت، أو يجعل الإسناد مجازاً من إسناد ما للفاعل الحقيقي إلى أثر فعله.

السابقالتالي
2