الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوۤءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً }

{ لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوء مِنَ ٱلْقَوْلِ } عدم محبته سبحانه لشيء كناية عن غضبه، والباء متعلقة بالجهر، وموضع الجار والمجرور نصب أو رفع، و { مِنْ } متعلقة بمحذوف وقع حالاً من السوء، والجهر بالشيء الإعلان به والإظهار كما يفهم من «القاموس»، وفي «الصحاح» جهر بالقول رفع صوته به، ولعل المراد هنا الإظهار وإن لم يكن برفع صوت أي لا يحب الله سبحانه أن يعلن أحد بالسوء كائناً من القول { إَلاَّ مَن ظُلِمَ } أي إلا جهر من ظلم فإنه غير مسخوط عنده تعالى، وذلك بأن يدعو على ظالمه أو يتظلم منه ويذكره بما فيه من السوء؛ وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وقتادة: هو أن يدعو على من ظلمه، وعن مجاهد أن المراد لا يحب الله سبحانه أن يذم أحد أحداً أو يشكوه إلا من ظلم فيجوز له أن يشكو ظالمه ويظهر أمره ويذكره بسوء ما قد صنعه، وعن الحسن. والسدي ـ وهو المروي عن أبـي جعفر رضي الله تعالى عنه ـ المراد: لا يحب الله تعالى الشتم في الانتصار إلا من ظلم فلا بأس له أن ينتصر ممن ظلمه بما يجوز الانتصار به في الدين، وجوز الحسن للرجل إذا قيل له: يا زاني أن يقابل القائل له بمثل ذلك، وأخرج ابن جرير عن مجاهد أن رجلاً ضاف قوماً فلم يطعموه فاشتكاهم فعوتب عليه فنزلت، وأنت تعلم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وأبيّ وابن جبير والضحاك وعطاء أنهم قرءوا { إَلاَّ مَن ظَلَمَ } على البناء للفاعل، فالاستثناء منقطع، والمعنى لكن الظالم يحبه أو لكنه يفعل ما لا يحبه الله تعالى فيجهر بالسوء، والموصول في محل نصب، وجوز الزمخشري أن يكون مرفوعاً بالإبدال من فاعل { يُحِبُّ } كأنه قيل: لا يحب الجهر بالسوء إلا الظالم على لغة من يقول: ما جاءني زيد إلا عمرو بمعنى ما جاءني إلا عمرو، ومنهلاَّ يَعْلَمُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلاَّ ٱللَّهُ } [النمل: 65] وهي لغة تميمية، وعليها قول الشاعر:
عشية ما تغنى الرماح مكانها   ولا النبل (إلا) المشرفي المصمم
وقد نقل هذه اللغة سيبويه وأنكرها البعض، وكفى بنقل شيخ الصناعة سنداً للمثبت، ونقل عن أبـي حيان أنه ليس البيت كالمثال لأنه قد يتخيل فيه عموم على معنى السلاح، وأما زيد فلا يتوهم فيه عموم ولا يمكن تصحيحه إلا على أن أصله ما جاءني زيد ولا غيره، فحذف المعطوف لدلالة الاستثناء وكذا الآية التي ذكرت، ورد ـ كما قال الشهاب ـ بأنه لو كان التقدير ما ذكره في المثال لكان الاستثناء متصلاً والمفروض خلافه، وأن المراد ـ كما يفهمه كلام الطيبـي ـ جعل المبدل منه بمنزلة غير المذكور حتى كأن الاستثناء مفرغ والنفي عام إلا أنه صرح بنفي بعض أفراد العام لزيادة اهتمام بالنفي عنه، أو لكونه مظنة توهم الإثبات، فيقولون: ما جاءني زيد إلا عمرو، والمعنى ما جاءني إلا عمرو فكذا ههنا المعنى ـ لا يحب الجهر بالسوء إلا الظالم ـ فأدخل لفظ { ٱللَّهُ } تأكيداً لنفي / محبته تعالى يعني لله سبحانه اختصاص في عدم محبته ليس لأحد غيره ذلك.

السابقالتالي
2