الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَٱعْتَصَمُواْ بِٱللَّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً }

{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ } عن النفاق وهو استثناء من المنافقين، أو من ضميرهم في الخبر، (أو) من الضمير المجرور في لهم؛ وقيل: هو في موضع رفع بالابتداء والخبر ما بعد الفاء؛ ودخلت ـ لما ـ في الكلام من معنى الشرط { وَأَصْلَحُواْ } ما أفسدوا من نياتهم وأحوالهم في حال النفاق، وقيل: ثبتوا على التوبة في المستقبل، والأول أولى { وَٱعْتَصِمُواْ بِٱللَّهِ } أي تمسكوا بكتابه، أو وثقوا به { وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ } لا يريدون بطاعتهم إلا وجهه ورضاه سبحانه لا رياء الناس، ودفع الضرر كما في النفاق، وأخرج أحمد والترمذي وغيرهما عن أبـي ثمامة قال: قال الحواريون لعيسى عليه السلام: يا روح الله من المخلص لله؟ قال: الذي يعمل لله تعالى لا يحب أن يحمده الناس عليه { فَأُوْلَٰـئِكَ } إشارة إلى الموصول باعتبار اتصافه بما في حيز (الصفة) وما فيه من معنى البعد لما مر غير مرة { مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي المعهودين من الذين لم يصدر منهم نفاق أصلاً منذ آمنوا، والمراد أنهم معهم في الدرجات العالية من الجنة، أو معدودون من جملتهم في الدنيا والآخرة.

{ وَسَوْفَ يُؤْتِ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً } لا يقادر قدره فيساهمونهم فيه ويقاسمونهم / وفسر أبو حيان الأجر العظيم بالخلود، والتعميم أولى، والمراد بالمؤمنين هٰهنا ما أريد به فيما قبله، واعتبار المساهمة جرى عليه غير واحد، ولولا تفسير الآية بذلك لم يكن لها في ذكر أحوال من تاب من النفاق معنى ظاهر. وذهب بعضهم إلى عدم اعتبارها، والمراد الإخبار بزيادة ثواب من لم يسبق منه نفاق أصلاً، وعمم بعض المؤمنين ليشمل من لم يتقدم منه نفاق ومن تقدم منه وتاب عنه، والظاهر ما ذكرناه، ورسم { يُؤْتِ } بغير ياء، وهو مضارع مرفوع فحق يائه أن تثبت لفظاً وخطاً إلا أنها حذفت في اللفظ لالتقاء الساكنين، وجاء الرسم تبعاً للفظ، والقراء يقفون عليه دونها اتباعاً للرسم إلا يعقوب فإنه يقف بالياء نظراً إلى الأصل. وروي ذلك أيضاً عن الكسائي وحمزة ونافع، وادعى السمين أن الأولى اتباع الرسم لأن الأطراف قد كثر حذفها.