الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا ٱلنَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ ذٰلِكَ قَدِيراً }

{ إِن يَشَأْ } إن يرد إذهابكم وإيجاد آخرين { يُذْهِبْكُمْ } يفنكم ويهلككم. { أَيُّهَا ٱلنَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ } أي يوجد مكانكم دفعة قوماً آخرين من البشر، فالخطاب لنوع من الناس، وقد أخرج سعيد بن منصور وابن جرير من حديث أبـي هريرة رضي الله تعالى عنه " أنه لما نزل قوله تعالى: / { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ } [محمد: 38] ضرب النبـي صلى الله عليه وسلم بيده على ظهر سلمان الفارسي رضي الله عنه، وقال: إنهم قوم هذا " وفيه نوع تأييد لما ذكر في هذه الآية، وما نقل عن العراقي أن الضرب كان عند نزولها وحينئذ يتعين ما ذكر سهو على ما نص عليه الجلال السيوطي، وجوز الزمخشري وابن عطية ومقلدوهما أن يكون المراد خلقاً آخرين أي جنساً غير جنس الناس، وتعقبه أبو حيان بأنه خطأ وكونه من قبيل المجاز ـ كما قيل ـ لا يتم به المراد لمخالفته لاستعمال العرب فإن ـ غيراً ـ تقع على المغاير في جنس أو وصف، ـ وآخر ـ لا يقع إلا على المغايرة بين أبعاض جنس واحد.

وفي «درّة الغواص في أوهام الخواص» أنهم يقولون: ابتعت عبداً وجارية أخرى فيوهمون فيه لأن العرب لم تصف بلفظي آخر وأخرى وجمعهما إلا ما يجانس المذكور قبله كما قال تعالى:أَفَرَءيْتُمُ ٱللَّـٰتَ وَٱلْعُزَّىٰ * وَمَنَوٰةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } [النجم: 19- 20] وقوله سبحانه:فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [البقرة: 185] فوصف جل اسمه ـ مناة ـ بالأخرى لما جانست ـ العزى اللات ـ ووصف الأيام بالأخر لكونها من جنس الشهر، والأمة ليست من جنس العبد لكونها مؤنثة وهو مذكر فلم يجز لذلك أن يتصف بلفظ أخرى كما لا يقال: جاءت هند ورجل آخر، والأصل في ذلك أن آخر من قبيل أفعل الذي يصحبه من، ويجانس المذكور بعده كما يدل على ذلك أنك إذا قلت: قال: الفند الزماني، وقال آخر: كان تقدير الكلام، وقال آخر: من الشعراء وإنما حذفت لفظة من لدلالة الكلام عليها، وكثرة استعمال آخر في النطق، وفي «الدر المصون» إن هذا غير متفق عليه، وإنما ذهب إليه كثير من النحاة وأهل اللغة؛ وارتضاه نجم الأئمة الرضي إلا أنه يردّ على الزمخشري ومن معه أن آخرين صفة موصوف محذوف، والصفة لا تقوم مقام موصوفها إلا إذا كانت خاصة نحو مررت بكاتب، أو إذا دل الدليل على تعيين الموصوف ـ وهنا ليست بخاصة ـ فلا بد أن يكون من جنس الأول لتدل على المحذوف؛ وقال ابن يسعون والصقلي وجماعة: إن العرب لا تقول: مررت برجلين وآخر لأنه إنما يقابل آخر ما كان من جنسه تثنية وجمعاً وإفراداً، وقال ابن هشام هذا غير صحيح لقول ربيعة بن يكدم:

السابقالتالي
2 3