الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ ٱلأنْفُسُ ٱلشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }

{ وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَـافَتْ } شروع في بيان أحكام لم تبين قبل، وأخرج الترمذي وحسنه عن ابن عباس قال: «خشيت سودة رضي الله تعالى عنها أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله لا تطلقني واجعل يومي لعائشة ففعل» ونزلت هذه الآية، وأخرج الشافعي رضي الله تعالى عنه عن ابن المسيب أن ابنة محمد بن مسلمة كانت عند رافع بن خديج فكره منها أمراً إما كبراً أو غيره، فأراد طلاقها فقالت: لا تطلقني واقسم لي ما بدا لك فاصطلحا على صلح فجرت السنة بذلك ونزل القرآن، وأخرج ابن جرير عن مجاهد أنها نزلت في أبـي السائب أي وإن خافت امرأة خافت، فهو من باب الاشتغال، وزعم الكوفيون أن { ٱمْرَأَةٌ } مبتدأ وما بعده الخبر وليس بالمرضي، وقدر بعضهم هنا ـ كانت ـ لاطراد حذف كان بعد إن، ولم يجعله من الإشتغال وهو مخالف للمشهور بين الجمهور، والخوف إما على حقيقته، أو بمعنى التوقع أي وإن امرأة توقعت لما ظهر لها من المخايل { مِن بَعْلِهَا } أي زوجها، وهو متعلق ـ بخافت ـ أو بمحذوف وقع حالاً من قوله تعالى: { نُشُوزاً } أي استعلاءاً وارتفاعاً بنفسه عنها إلى غيرها لسبب من الأسباب، ويطلق على كل من صفة أحد الزوجين { أَوْ إِعْرَاضاً } أي انصرافاً بوجهه أو ببعض منافعه التي كانت لها منه، وفي «البحر» «النشوز أن يتجافى عنها بأن يمنعها نفسه ونفقته والمودة التي بينهما، وأن يؤذيها بسب أو ضرب مثلاً، والإعراض أن يقلل محادثتها ومؤانستها لطعن في سن أو دمامة، أو شين في خلق أو خلق، أو ملال أو طموح عين إلى أخرى، أو غير ذلك وهو أخف من النشوز»

{ فَلاَ جُنَاحَ } أي فلا حرج ولا إثم { عَلَيْهِمَا } أي الامرأة وبعلها حينئذ. { أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً } أي في أن يصلحا بينهما بأن تترك المرأة له يومها كما فعلت سودة رضي الله تعالى عنها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو تضع عنه بعض ما يجب لها من نفقة، أو كسوة، أو تهبه المهر، أو شيئاً منه، أو تعطيه مالاً لتستعطفه بذلك وتستديم المقام في حباله، وصدر ذلك بنفي الجناح لنفي ما يتوهم من أن ما يؤخذ كالرشوة فلا يحل، وقرأ غير أهل الكوفة ـ يصالحا ـ بفتح الياء وتشديد الصاد وألف بعدها، وأصله يتصالحا فأبدلت التاء صاداً وأدغمت، وقرأ الجحدري ـ يصلحا ـ بالفتح والتشديد من غير ألف وأصله يصطلحا فخفف بإبدال الطاء المبدلة من تاء الافتعال صاداً وأدغمت الأولى فيها لا أنه أبدلت التاء ابتداءاً صاداً وأدغم ـ كما قال أبو البقاء ـ لأن تاء الافتعال يجب قلبها طاءاً بعد الأحرف الأربعة.

السابقالتالي
2 3