الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطاً }

{ وَللَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } يحتمل أن يكون متصلاً بقوله تعالى:وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتَ } [النساء: 124] على أنه كالتعليل لوجوب العمل، وما بينهما من قوله سبحانه:وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً } [النساء: 125] اعتراض أي إن جميع ما في العلو والسفل من الموجودات له تعالى خلقاً وملكاً لا يخرج من ملكوته شيء منها فيجازي كلاً بموجب أعماله إن خيراً فخير وإن شراً فشر وأن يكون متصلاً بقوله جل شأنه:وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ } [النساء: 125] الخ بناءاً على أن معناه اختاره واصطفاه أي هو مالك لجميع خلقه فيختار من يريده منهم كإبراهيم عليه الصلاة والسلام، فهو لبيان أن اصطفاءه عليه الصلاة والسلام بمحض مشيئته تعالى. وقيل: لبيان أن اتخاذه تعالى لإبراهيم عليه الصلاة والسلام خليلاً ليس لاحتياجه سبحانه إلى ذلك لشأن من شؤونه كما هو دأب المخلوقين، فإن مدار خلتهم افتقار بعضهم إلى بعض في مصالحهم، بل لمجرد تكرمته وتشريفه، وفيه أيضاً إشارة إلى أن خلته عليه السلام لا تخرجه عن العبودية لله تعالى.

{ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلّ شَىْءٍ مُّحِيطاً } إحاطة علم وقدرة بناءاً على أن حقيقة الإحاطة في الأجسام، فلا يوصف الله تعالى بذلك فلا بدّ من التأويل وارتكاب المجاز على ما ذهب إليه الخلف، والجملة تذييل مقرر لمضمونه ما قبله على سائر وجوهه.

هذا ومن باب الإشارة في الآيات: { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى ٱلأَرْضِ } أي سافرتم في أرض الاستعداد لمحاربة عدو النفس أو لتحصيل أحوال الكمالات { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلوٰةِ } أي تنقصوا من / الأعمال البدنيةإِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [النساء: 101] أي حجبوا عن الحق من قوى الوهم والتخيل، وحاصله الترخيص لأرباب السلوك عند خوف فتنة القوى أن ينقصوا من الأعمال البدنية ويزيدوا في الأعمال القلبية كالفكر والذكر ليصفوا القلب ويشرق نوره على القوى فتقل غائلتها فتزكو عند ذلك الأعمال البدنية، ولا يجوز عند أهل الاختصاص ترك الفرائض لذلك كما زعمه بعض الجهلة { وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ } ولم تكن غائباً عنهم بسيرك في غيب الغيب وجلال المشاهدة وعائماً في بحار «لي مع الله تعالى وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبـي مرسل» { فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلاَةَ } أي الأعمال البدنية { فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مّنْهُمْ مَّعَكَ } وليفعلوا كما تفعل { وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ } من قوى الروح ويجمعوا حواسهم ليتأتى لهم المشابهة، أو ليقفوا على ما في فعلك من الأسرار فلا تضلهم الوسائس { فَإِذَا سَجَدُواْ } وبلغوا الغاية في معرفة ما أقمته لهم وأتوا به على وجهه { فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَائِكُمْ } ذابين عنكم اعتراض الجاهلين، أو قائمين بحوائجكم الضرورية { وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ } منهم { لَمْ يُصَلُّواْ } بعد { فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ } وليفعلوا فعلك { وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ } كما أخذ الأولون أسلحتهم، وإنما أمر هؤلاء بأخذ الحذر أيضاً حثاً لهم على مزيد الاحتياط لئلا يقصروا فيما يراد منهم اتكالاً على الأخذ بعد ممن أخذ أولاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

السابقالتالي
2 3 4