الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً }

{ لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيّكُمْ وَلا أَمَانِيّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } الخطاب المؤمنين، والأماني بالتشديد والتخفيف ـ وبهما قرىء ـ جمع أمنية على وزن أفعولة، وهي كما قال الراغب: الصورة الحاصلة في النفس من تمني الشيء أي تقديره في النفس وتصويره فيها، ويقال: منى له الماني أي قدر له المقدر، ومنه قيل: منية أي مقدرة؛ وكثيراً ما يطلق التمني على تصور ما لا حقيقة له، ومن هنا يعبر به عن الكذب لأنه تصور ما ذكر، وإيراده باللفظ فكأن التمني مبدأ له فلهذا صح التعبير به عنه، ومنه قول عثمان رضي الله تعالى عنه: ما تعنيت ولا تمنيت منذ أسلمت؛ والباء في { بِأَمَـٰنِيّكُمْ } مثلها في ـ زيد بالباب ـ وليست زائدة والزيادة محتملة، ونفاها البعض، واسم { لَّيْسَ } مستتر فيها عائد على الوعد بالمعنى المصدري، أو بمعنى الموعود فهو استخدام كما قال السعد وقيل: عائد على الموعود الذي تضمنه عامل وعد الله، أو على إدخال الجنة أو العمل الصالح، وقيل: عائد على الإيمان المفهوم من الذين آمنوا؛ وقيل: على الأمر المتحاور فيه بقرينة سبب النزول.

أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدى قال: التقى ناس من المسلمين واليهود والنصارى، فقال اليهود للمسلمين: نحن خير منكم، ديننا قبل دينكم، وكتابنا قبل كتابكم، ونبينا قبل نبيكم، ونحن على دين إبراهيم ولن يدخل الجنة إلا من كان هوداً، وقالت النصارى مثل ذلك، فقال المسلمون: كتابنا بعد كتابكم؛ ونبينا صلى الله عليه وسلم بعد نبيكم، وديننا بعد دينكم وقد أمرتم أن تتبعونا وتتركوا أمركم فنحن خير منكم نحن على دين إبراهيم وإسمٰعيل وإسحق، ولن يدخل الجنة إلا من كان على ديننا، فأنزل الله تعالى: { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيّكُمْ } ، وقوله سبحانه:وَمَنْ أَحْسَنُ } [النساء: 125] الخ أي ليس وعد الله تعالى، أو ما وعده سبحانه من الثواب أو إدخال الجنة، أو العمل الصالح، أو الإيمان، أو ما تحاورتم فيه حاصلاً بمجرد أمانيكم أيها المسلمون ولا أماني اليهود والنصارى، وإنما يحصل بالسعي والتشمير عن ساق الجد لامتثال الأمر، ويؤيد عود الضمير على الإيمان المفهوم مما قبله، أنه أخرج ابن أبي شيبة عن الحسن موقوفاً " ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل إن قوماً ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، وقالوا: نحسن الظن بالله تعالى وكذبوا لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل " وأخرج البخاري في «تاريخه» عن أنس مرفوعاً " ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن هو ما وقر في القلب فأما علم القلب فالعلم النافع وعلم اللسان حجة على بني آدم " وروي عن مجاهد وابن زيد أن الخطاب لأهل الشرك فإنهم قالوا: لا نبعث ولا نعذب كما قال أهل الكتاب:

السابقالتالي
2 3