الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً }

{ لاَّ خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مّن نَّجْوَاهُمْ } أي الذين يختانون، واختار جمع أن الضمير للناس، وإليه يشير كلام مجاهد، و ـ النجوى ـ في الكلام كما قال الزجاج: ما يتفرد به الجماعة أو الاثنان، وهل يشترط فيه أن يكون سراً أم لا؟ قولان: وتكون بمعنى التناجي، وتطلق على القوم المتناجين ـ كـإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ } [الإسراء: 47] وهو إما من باب رجل عدل، أو على أنه جمع نجي ـ كما نقله الكرماني ـ والظرف الأول خبر { لا } والثاني في موضع الصفة للنكرة أي: كائن من نجواهم.

{ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ } أي إلا في نجوى من أمر { بِصَدَقَةٍ } فالكلام على حذف مضاف، وبه يتصل الاستثناء، وكذا إن أريد بالنجوى المتناجون على أحد الاعتبارين، ولا يحتاج إلى ذلك التقدير حينئذ، ويكفي في صحة الاتصال صحة الدخول وإن لم يجزم به فلا يرد ما توهمه عصام الدين من أن مثل جاءني كثير من الرجال إلا زيداً لا يصح فيه الاتصال لعدم الجزم بدخول زيد في الكثير، ولا الانقطاع لعدم الجزم بخروجه، ولا حاجة إلى ما تكلف في دفعه ـ بأن المراد لا خير في كثير من نجوى واحد منهم إلا نجوى من أمر الخ، فإنه في كثير من نجواه خير ـ فإنه على ما فيه لا يتأتى مثله على احتمال الجمع، وجوز رحمه الله تعالى، بل زعم أنه الأولى أن يجعل { إِلاَّ مَنْ أَمَرَ } متعلقاً بما أضيف إليه النجوى بالاستثناء أو البدل، ولا يخفى أنه إن سلم أن له معنى خلاف الظاهر، وجوز غير واحد أن يكون الاستثناء منقطعاً على معنى لكن من أمر بصدقة وإن قلّت ففي نجواه الخير.

{ أَوْ مَعْرُوفٍ } وهو كل ما عرفه الشرع واستحسنه، فيشمل جميع أصناف البر كقرض وإغاثة ملهوف، وإرشاد ضال إلى غير ذلك، ويراد به هنا ما عدا الصدقة وما عدا ما أشير إليه بقوله تعالى: { أَوْ إِصْلَـٰحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ } وتخصيصه بالقرض وإغاثة الملهوف وصدقة التطوع، وتخصيص الصدقة فيما تقدم بالصدقة الواجبة مما لا داعي إليه وليس له سند يعول عليه، وخص الصدقة والإصلاح بين الناس/ بالذكر من بين ما شمله هذا العام إيذاناً بالاعتناء بهما لما في الأول: من بذل المال الذي هو شقيق الروح وما في الثاني: من إزالة فساد ذات البين ـ وهي الحالقة للدين ـ كما في الخبر، وقدم الصدقة على الإصلاح لما أن الأمر بها أشق لما فيه من تكليف بذل المحبوب، والنفس تنفر عمن يكلفها ذلك، ولا كذلك الأمر بالإصلاح، وذكر الإمام الرازي أن السر في إفراد هذه الأقسام الثلاثة بالذكر «أن عمل الخير المتعدي إلى الناس، إما لإيصال المنفعة أو لدفع المضرة، والمنفعة إما جسمانية كإعطاء المال، وإليه الإشارة بقوله تعالى: { إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ } وإما روحانية وإليه الإشارة بالأمر بالمعروف، وأما رفع الضرر فقد أشير إليه بقوله تعالى: { أَوْ إِصْلَـٰحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ } » ولا يخفى ما فيه، والمراد من الإصلاح بين الناس التأليف بينهم بالمودة إذا تفاسدوا من غير أن يجاوز في ذلك حدود الشرع الشريف، نعم أبيح الكذب لذلك، فقد أخرج الشيخان وأبو داود عن أم كلثوم بنت عقبة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

السابقالتالي
2 3