الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلاَ يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُـمْ فَيُنَبِّئُكُـمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }

{ إِن تَكْفُرُواْ } به تعالى مع مشاهدة ما ذكر من موجبات الإيمان والشكر { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ } أي فأخبركم أنه عز وجل غني عن إيمانكم وشكركم غير متأثر من انتفائهما { وَلاَ يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلْكُفْرَ } لما فيه من الضرر عليهم { وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ } أي الشكر { لَكُمْ } لما فيه من نفعكم، ومن قال بالحسن والقبح العقليين قال: عدم الرضا بالكفر لقبحه العقلي والرضا بالشكر لحسنه العقلي، والرضا إما بمعنى المحبة أو بمعنى الإرادة مع ترك الاعتراض ويقابلة السخط كما في «شرح المسايرة» فعباده على ظاهره من العموم، ومنهم من فسره بالإرادة من غير قيد ويقابله الكره وهؤلاء يقولون قد يرضى بالكفر أي يريده لبعض الناس كالكفرة ونقله السخاوي عن النووي في كتابه «الأصول والضوابط» وابن الهمام عن الأشعري وإمام الحرمين كذا قاله الخفاجي في «حواشيه على تفسير البيضاوي».

والذي رأيته في «الضوابط» وهي نسخة صغيرة جداً ما نصه: مسألة مذهب أهل الحق الإيمان بالقدر وإثباته وأن جميع الكائنات خيرها وشرها بقضاء الله تعالى وقدره وهو مريد لها كلها ويكره المعاصي مع أنه سبحانه مريد لها لحكمة يعلمها جل وعلا، وهل يقال إنه تعالى يرضى المعاصي ويحبها؟ فيه مذهبان لأصحابنا المتكلمين حكاهما إمام الحرمين وغيره، قال إمام الحرمين في «الإرشاد»: مما اختلف فيه أهل الحق إطلاق المحبة والرضاء، فقال بعض أصحابنا لا يطلق القول بأن الله تعالى يحب المعاصي ويرضاها لقوله تعالى: { وَلاَ يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلْكُفْرَ } ومن حقق من أئمتنا لم يلتفت إلى تهويل المعتزلة / بل قال: الله تعالى يريد الكفر ويحبه ويرضاه والإرادة والمحبة والرضا بمعنى واحد قال: والمراد بعباده في الآية الموفقون للإيمان وأضيفوا إلى الله تعالى تشريفاً لهم كما في قوله تعالى:يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ } [الإنسان: 6] أي خواصهم لا كلهم اهـ فلا تغفل عن الفرق بينه وبين ما ذكره الخفاجي.

وحكى تخصيص العباد في «البحر» عن ابن عباس. وقيل يجوز مع ذلك حمل العباد على العموم ويكون المعنى ولا يرضى لجميع عباده الكفر بل يرضاه ويريده لبعضهم نظير قوله تعالى:لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَـٰرُ } [الأنعام: 103] على قول، ولعلامة الأعصار صاحب «الكشف» تحقيق نفيس في هذا المقام لم أره لغيره من العلماء الأعلام وهو أن الرضا يقابل السخط وقد يستعمل بعن والباء ويعدى بنفسه فإذا قلت: رضيت عن فلان فإنما يدخل على العين لا المعنى ولكن باعتبار صدور معنى منه يوجب الرضا في مقابلة سخطت عليه وبينهما فرقان أنك إذا قلت: رضيت عن فلان بإحسانه لم يتعين الباء للسببية بل جاز أن يكون صلة مثله في رضيت بقضاء الله تعالى وإذا قلت: سخطت عليه بإساءته تعين السببية فكان الأصل هٰهنا ذكر الصلة لكنه كثر الحذف في الاستعمال بخلافه ثمت إذ لا حذف، وإذا قيل: رضيت به فهذا يجب دخوله على المعنى إلا إذا دخل على الذات تمهيداً للمعنى ليكون أبلغ تقول: رضيت بقضاء الله تعالى ورضيت بالله عز وجل رباً وقاضياً، وقريب منه سمعت حديث فلان وسمعته يتحدث وإذا عدي بنفسه جاز دخوله على الذات كقولك: رضيت زيداً وإن كان باعتبار المعنى تنبيهاً على أن كله مرضي بتلك الخصلة وفيه مبالغة وجاز دخوله على المعنى كقولك: رضيت إمارة فلان، والأول أكثر استعمالاً وهو على نحو قولهم: حمدت زيداً وحمدت علمه، وأما إذا استعمل باللام تعدى بنفسه كقولك رضيت لك هذا فمعناه ما سيجيء إن شاء الله تعالى قريباً.

السابقالتالي
2 3 4 5