الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـآيَاتِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ }

{ لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } أي مفاتيحها كما قال ابن عباس والحسن وقتادة وغيرهم، فقيل هو جمع لا واحد له من لفظه، وقيل: جمع مقليد وقيل: جمع مقلاد من التقليد بمعنى الإلزام ومنه تقليد القضاء وهو إلزامه النظر في أموره، وكذا القلادة للزومها للعنق، وجعل اسماً للآلة المعروفة للإلزام بمعنى الحفظ وهو على جميع هذه الأقوال عربـي والأشهر الأظهر كونه معرباً فهو جمع إقليد معرب إكليد وهو جمع شاذ لأن جمع إفعيل على مفاعيل مخالف للقياس وجاء أقاليد على القياس ويقال: في إكليد كليد بلا همزة، وذكر الشهاب أنه بلغة الروم إقليدس وكليد وإكليد منه، والمشهور أن كليد فارسي ولم يشتهر في الفارسية إكليد بالهمزة.

وله مقاليد كذا قيل: مجاز عن كونه مالك أمره ومتصرفاً فيه بعلاقة اللزوم، ويكنى به عن معنى القدرة والحفظ، وجوز كون المعنى الأول كنائياً لكن قد اشتهر فنزل منزلة المدلول الحقيقي فكني به عن المعنى الآخر فيكون هناك كناية على كناية وقد يقتصر على المعنى الأول في الإرادة وعليه قيل هنا المعنى لا يملك أمر السماوات والأرض ولا يتمكن من التصرف فيها غيره عز وجل. والبيضاوي بعد ذكر ذلك قال: هو كناية عن قدرته تعالى وحفظه لها وفيه مزيد دلالة على الاستقلال والاستبداد لمكان اللام والتقديم، وقال الراغب: مقاليد السماوات والأرض ما يحيط بها، وقيل: خزائنها، وقيل: مفاتيحها، والإشارة بكلها إلى معنى واحد وهو قدرته تعالى عليه وحفظه لها انتهى.

وجوز أن يكون المعنى لا يملك التصرف في خزائن السماوات والأرض أي ما أودع فيها واستعدت له من المنافع غيره تعالى، ولا يخفى أن هذه الجملة إن كانت في موضع التعليل لقوله سبحانه:وَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء وَكِيلٌ } [الزمر: 62] على المعنى الأول فالأظهر الاقتصار في معناها على أنه لا يملك أمر السماوات والأرض أي العالم بأسره غيره تعالى فكأنه قيل: تعالى يتولى التصرف في كل شيء لأنه لا يملك أمره سواه عز وجل، وإن كانت تعليلاً له على المعنى الثاني فالأظهر الاقتصار في معناها على أنه لا قدرة عليها لأحد غيره جل شأنه فكأنه قيل: هو تعالى يتولى حفظه كل شيء لأنه لا قدرة لأحد عليه غيره تعالى، وجوز أن تكون عطف بيان للجملة قبلها وأن تكون صفة { وَكِيلٌ } وأن تكون خبراً بعد خبر فأمعن النظر في ذلك وتدبر.

وأخرج أبو يعلى ويوسف القاضي في / «سننه» وأبو الحسن القطان في «المطولات» وابن السني في «عمل اليوم والليلة» وابن المنذر وابن أبـي حاتم وابن مردويه " عن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه قال: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى: { لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } فقال: لا إله إلا الله والله أكبر سبحان الله والحمد لله أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الأول والآخر والظاهر والباطن يحيـى ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير» "

السابقالتالي
2 3