الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ }

{ وَيَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ } بما ينالهم من الشدة التي تغير ألوانهم حقيقة، ولا مانع من أن يجعل سواد الوجوه حقيقة علامة لهم غير مترتب على ما ينالهم، وجوز أن يكون ذلك من باب المجاز لا أنها تكون مسودة حقيقة بأن يقال: إنهم لما يلحقهم من الكآبة ويظهر عليهم من آثار الجهل بالله عز وجل يتوهم فيهم ذلك. والظاهر أن الرؤية بصرية. والخطاب إما لسيد المخاطبين عليه الصلاة والسلام، وإما لكل من تتأتى منه الرؤية، وجملة { وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ } في موضع الحال على ما استظهره أبو حيان، وكون المقصود رؤية سواد وجوههم لا ينافي الحالية كما توهم لأن القيد مصب الفائدة، ولا بأس بترك الواو والاكتفاء بالضمير فيها لا سيما وفي ذكرها هٰهنا اجتماع واوين وهو مستثقل. وزعم الفراء شذوذ ذلك، ومن سلمه جعل الجملة هنا بدلاً من { ٱلَّذِينَ } كما ذهب إليه الزجاج، وهم جوزوا إبدال الجملة من المفرد، أو مستأنفة كالبيان لما أشعرت به الجملة قبلها وأدركه الذوق السليم منها من سوء حالهم، أو جعل الرؤية علمية والجملة في موضع الثاني، وأيد بأنه قرىء { وجوههم مسودة } بنصبهما على أن { وجوههم } مفعول ثان و { مسودة } حال منه. وأنت تعلم أن اعتبار الرؤية بصرية أبلغ في تفضيحهم وتشهير فظاعة حالهم لا سيما مع عموم الخطاب، والنصب في القراءة الشاذة يجوز أن يكون على الإبدال.

والمراد بالذين ظلموا أولئك القائلون المتحسرون فهو من باب إقامة الظاهر مقام المضمر، وينطبق على ذلك أشد الانطباق قوله تعالى: { أَلَيْسَ فِى جَهَنَّمَ مَثْوًى } أي مقام { لّلْمُتَكَبّرِينَ } الذين جاءتهم آيات الله فكذبوا بها واستكبروا عن قبولها والانقياد لها، وهو تقرير لرؤيتهم كذلك، وينطبق عليه أيضاً قوله الآتي:وَيُنَجّي } [الزمر: 61] الخ. وكذبهم على الله تعالى لوصفهم له سبحانه بأن له شريكاً ونحو ذلك تعالى عما يصفون علواً كبيراً، وقيل: لوصفهم له تعالى بما لا يليق في الدنيا وقولهم في الأخرى:لَوْ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَانِي } [الزمر: 57] المتضمن دعوى أن الله سبحانه لم يهدهم ولم يرشدهم، وقيل: هم أهل الكتابين، وعن الحسن أنهم القدرية القائلون إن شئنا فعلنا وإن لم يشأ الله تعالى وإن شئنا لم نفعل وإن شاء الله سبحانه؛ وقيل: المراد كل من كذب على الله تعالى ووصفه بما لا يليق به سبحانه نفياً وإثباتاً فأضاف إليه ما يجب تنزيهه تعالى عنه أو نزهه سبحانه عما يجب أن يضاف إليه، وحكي ذلك عن القاضي وظاهره يتقضي تكفير كثير من أهل القبلة، وفيه ما فيه، والأوفق لنظم الآية / الكرمية ما قدمنا، ولا يبعد أن يكون حكم كل من كذب على الله تعالى عالماً بأنه كذب عليه سبحانه أو غير عالم لكنه مستند إلى شبهة واهية كذلك؛ وكلام الحسن إن صح لا أظنه إلا من باب التمثيل، وتعريض الزمخشري بأهل الحق بما عرض خارج عن دائرة العدل فما ذهبوا إليه ليس من الكذب على الله تعالى في شيء، والكذب فيه وفي أصحابه ظاهر جداً. وقرأ أبـي { أجوههم } بإبدال الواو همزة.