الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُـمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ ٱلْمُلْكُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ }

وقوله تعالى: { خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ } الخ دليل آخر على الوحدة والقهر. وترك عطفه علىخَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ } [الزمر: 5] للإيذان باستقلاله في الدلالة ولتعلقه بالعالم السفلي، والبداءة بخلق الإنسان لأنه أقرب وأعجب بالنسبة إلى غيره باعتبار ما فيه من العقل وقبول الأمانة الإلٰهية وغير ذلك حتى قيل:
وتزعم أنك جرم صغير   وفيك انطوى العالم الأكبر
والمراد بالنفس آدم عليه السلام. وقوله تعالى: { ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } أي حواء فإنها خلقت من قصيري ضلعه عليه السلام اليسرى وهي أسفل الأضلاع على معنى أنها خلقت من بعضها أو خلقت منها كلها وخلق الله تعالى لآدم مكانها. عطف على محذوف هو صفة ثانية لنفس أي من نفس واحدة خلقها ثم جعل منها زوجها، أو على { وٰحِدَةٌ } لأنه في الأصل اسم مشتق فيجوز عطف الفعل عليه كقوله تعالى:فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ وَجَعَلَ ٱلَّيْلَ سَكَناً } [الأنعام: 96] ويعتبر ماضياً لأن اسم الفاعل قد يكون للمضي إذا لم يعمل أي من نفس وحدت ثم جعل منها زوجها ورجح بسلامته من التقدير الذي هو خلاف الأصل أو على { خَلَقَكُمْ } لتفاوت ما بينهما في الدلالة فإنهما وإن كانتا آيتين دالتين على ما مر من الصفات الجليلة لكن خلق حواء من الضلع أعظم وأجلب للتعجب ولذا عبر بالجعل دون الخلق فثم للتراخي الرتبـي، ويجوز فيه كون الثاني أعلى مرتبة من الأول وعكسه، وقيل إنه تعالى أخرج ذرية آدم عليه السلام من ظهره كالذر ثم خلق منه حواء فالمراد بخلقهم منه إخراجهم من ظهره كالذر فالعطف على { خَلَقَكُمْ } وثم على ظاهرها، وهذا لا يقبل إلا إذا صح مرفوعاً أو في حكمه. وقد تضمنت الآية ثلاث آيات خلق آدم عليه السلام بلا أب وأم وخلق حواء من قصيراه وخلق ذريته التي لا يحصى عددها إلا الله عز وجل.

وقوله تعالى: { وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ ٱلأَنْعَـٰمِ ثَمَـٰنِيَةَ أَزْوٰجٍ } استدلال بنوع آخر من العالم السفلي. والإنزال مجاز عن القضاء والقسمة فإنه تعالى إذا قضى وقسم أثبت ذلك في اللوح المحفوظ ونزلت به الملائكة الموكلة بإظهاره، ووصفه بالنزول مع أنه معنى شائع متعارف كالحقيقة والعلاقة بين الإنزال والقضاء الظهور بعد الخفاء ففي الكلام استعارة تبعية، وجوز أن يكون فيه مجاز مرسل، ويجوز أن يكون التجوز في نسبة الإنزال إلى الأنعام والمنزل حقيقة أسباب حياتها كالأمطار ووجه ذلك الملابسة بينهما، وقيل يراد بالأزواج أسباب تعيشها أو يجعل الإنزال مجازاً عن إحداث ذلك بأسباب سماوية وهو كما ترى، وقيل الكلام على ظاهره والله تعالى خلق الأنعام في الجنة ثم أنزلها منها ولا أرى لهذا الخبر صحة.

السابقالتالي
2